بالطاعة
المطلقة للإنسان بالصيغة المذكورة سابقاً، أي إذا كان المُطاع هو فرد أكمل من
الجميع في كافّة الكمالات و أعلمهم في جميع العلوم الإنسانية و أعرفهم بسبيل سعادة
الإنسان و فلاحه، فإنّ العقل يحكم بجواز بل بوجوب طاعته، و لكن أين مثل هذا الفرد؟
و لمن ينبغي أن يسند هذا المقام لنطيعه؟ جواب: لقد تكفّلت الآية القرآنية- آنفة
الذكر- بحلّ إشكالية هذا السؤال، فالطاعة المطلقة للَّه، و اللَّه هو الذي عدّ
طاعة الرسول كطاعته، كما أنّ اللَّه هو الذي أوجب طاعة أُولي الأمر. و عليه فمصداق
ذلك الفرد ليس سوى رسول اللَّه و أُولي الأمر، لكن يبدو أنّ هناك نقطة مهمّة وردت
في الآية لا بدّ من الالتفات إليها، فقد وردت لفظة «الطاعة» مكرّرة في الآية، حيث
قالت: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ و نفهم من هذا التكرار أنّ طاعة رسول اللَّه في طول طاعة اللَّه،
فطاعة اللَّه لا ينبغي أن يتخلّلها أيّ تأمّل و لا يشوبها أيّ توقّف، أمّا طاعة
الرسول الواقعة في طول طاعة اللَّه فهي إنّما تنتهي إلى إرادة اللَّه و تؤدّي إلى
تحقّق التوحيد و العدل و الفضائل، و إلّا فإنّ طاعة الرسول ليست لازمة قطّ إذا
كانت على الخلاف من ذلك، و كان السبيل الذي يسلكه لا ينتهي إلى اللَّه و الفضيلة و
تحقيق السعادة للناس و لا يقود إلى الكمال، بينما قال سبحانه وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ
أي أنّ ما يقوله إنّما هو الشيء الذي يجب أن يؤول إليه البشر، و الحكومة التي
ينهض بها إنّما تمثّل الحكومة التي يجب أن تنضوي كافة الإنسانية تحت لوائها،
لتتمكّن الأُمّة في ظلّ تلك الحكومة و زعامة ذلك القائد أن تنال الحياة الآمنة و
الوادعة المستقرّة المشتملة على السعادة، و أن تجعل دنيا الناس حرّة سعيدة متّصلة
بالآخرة بعيدة عن كلّ خمول و تخلّف، سواء في الحياة الدنيوية أو في كسب الفضائل و
التزوّد للحياة الاخروية الأبديّة. ثمّ أردفت عبارة الآية
أَطِيعُوا اللَّهَ بقوله تعالى:
وَ أُولِي الْأَمْرِ و لم تتكرر