الرواية،
و هو يصرّح في مقدّمة الكتاب بأنّه لا يورد إلّا الموثوق من الأفراد، و لذلك
استدلّ كبار فقهاؤنا بهذه الروايات. و إليك نصّ الحديث: قال: حدّثني أبي رحمه الله
و محمّد بن الحسين، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن
أبيه، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ الحسين عليه السلام خرج
من مكّة قبل التروية بيوم، فشيّعه عبد اللّه بن الزبير فقال: يا أبا عبد اللّه لقد
حضر الحج و تدعه و تأتي العراق، فقال: يا ابن الزبير لأن ادفن بشاطئ الفرات أحبّ
إليّ من أن ادفن بفناء الكعبة» [1].
وقفة
مع الحديث:
لقد
شعر عبد اللّه بن الزبير بالذهول و الدهشة من حركة الإمام إبّان الحجّ فسأله: هذه
مناسك الحجّ التي حضرها المسلمون من أكناف الدنيا و أطرافها، فما الذي حدث ليترك
الإمام- و هو الأعرف أكثر من غيره بمنزلة الحجّ و عظمة تلك المواقف- الحجاز و
يتحرّك صوب العراق؟! و لا سيّما أنّ الإمام عليه السلام قد توقّف قبل عدّة شهور في
مكّة و لا تستغرق مناسك الحجّ وقتاً طويلًا. طبعاً، عبد اللّه بن الزبير يعلم أفضل
من غيره أنّ الإمام لا يتخلّى عبثاً عن ذلك الأمر، و لا بدّ أن يكون هنالك دافع
أشدّ قوّة جعله يحثّ الخطى لإدراك ما خفي كنهه، و لعلّه أعتقد بل جزم أن ليس هنالك
ما يدعو لحركة الإمام سوى الشعور بالخطر المحدق به، إلّا أنّه كان يرغب بسماع
القضية من الإمام و هل أنّ الخطر واقع عن قريب لا محالة؟ و أنّ الإمام يمكن أن
يتعرّض إلى الاغتيال في جوف الكعبة؟
لقد
شعر الإمام بما يجول في فكر ابن الزبير فأجابه على الفور: أنّ مصرعي في كربلاء
«شاطئ الفرات» لا حرم الكعبة الأمن.
[1] كامل الزيارات: 151 ح 184، و عنه بحار
الأنوار 45: 86 ح 18.