علم
النبي صلى الله عليه و آله بالغيب لإبعاد التصوّر الذي قد يسود الأذهان بأنّه فوق
البشر، و لا يغفلوا عن كونه عبداً من عبيد اللَّه ليبلغ الوحي و الرسالة. و من هنا
لا بدّ من القول بأنّ الآيات النافية لعلم الغيب إنّما تجرّده من العلم الذاتي
للغيب، فهو ليس بذاته محيط بالأسرار و الخفايا، ليتصوّر بأنّه إله في الأرض، و أنّ
اللَّه سبحانه بعنايته و لطفه و فيضه إنّما يرفع عنه حجب الغيب و يطلعه على
المكنونات، فالنبيّ صلى الله عليه و آله كالمرآة التي تعكس نور اللَّه سبحانه. و
لذلك تطالعنا أيضاً- و في إطار الهدف المذكور- بعض الآيات التي تسلبه القدرة
الذاتيّة على هداية الامّة، بل أبعد من ذلك أنّ بعض الآيات سلبته بعض الأفعال
الاختيارية وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى[1]، كما سلبته الهداية إلى الصراط
المُستقيم تحقيقاً لذلك الهدف إِنَّكَ لا تَهْدِي
مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ[2]. نعم، لقد تنوّعت الأساليب و الخطابات القرآنية التي تروم تفادي
الانحراف الفكري و الغلوّ في شخص النبي صلى الله عليه و آله بفعل الكمالات العالية
التي اشتملت عليها شخصيته، و أحياناً ترد بعض الآيات القرآنية على لسانه قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ[3]، و كلّ ذلك بالطبع يهدف إلى عدم
ضلالة القوم و تورّطهم كتورّط النصرانية في نسبتها المسيح للربوبية، و إلّا فمحمد
صلى الله عليه و آله لم يسلك وادياً و لم يهد إلى سبيل إلّا من خلال الغيب، أو
هناك تفسير سوى الغيب لهذه الفصاحة القرآنية و المعارف العلمية و الحقائق
الاجتماعيّة و السياسية و المدنية و البلاغية التي أتى بها بشر امّي؟