فلم
يجد نوح بدّاً من الانصراف عن طلبه و الاستعاذة باللَّه من تكرار مثل هذه الطلبات، قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي
بِهِ عِلْمٌ[1]. إذن، فليس هنالك من غبار يشوب هذه
الحقيقة في أنّ سبيل الأنبياء إلى العلم هو الوحي، و ليس لهم من سبيل إلى
الإحاطة بجميع الحقائق دون ذلك الوحي، و لا يلزم على النبي كونه نبيّاً أن يلمّ
تلقائياً بكافّة الامور الغيبية و يحيط خبراً بجميع الحوادث. و هذا هو الأمر الذي
كشف القرآن عنه النقاب حين خاطب النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله قائلًا: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ
تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا[2]. إذن، فليس صحيحاً القول بأنّ النبيّ لكونه يشغل هذا المنصب الإلهي
الرفيع يكون عالماً بالغيب بالذات، و أنّ مقام النبوّة سيزيل عنه كلّ حجب المجهول،
و بعبارة اخرى: النبوّة ليست وسيلة لعلم الغيب، بل النبيّ لا يستغني في كلّ آن عن
الإفاضة الإلهية في إدراك المجاهيل، و هذا من الامور التي لا نقاش فيها، إلّا
أنّنا حين نتتبّع القرآن و الآيات الواردة بشأن النبوّة نفهم أنّ البارئ سبحانه قد
أفاض عناياته الخاصّة على صاحب هذا المقام، بما يجعله يقف على جميع الامور
المجهولة و ماضي و مستقبل البشرية و الحوادث التي تواجهها في مسيرتها، حيث اختصّ
سبحانه بعض عباده بهذه الإحاطة، الأمر الذي يجعل صاحب مقام الزعامة الدينية عالماً
بالغيب. و إليك طائفة من الآيات الواردة في علم الغيب، و هنا يمكننا أن نقسّم
الآيات الكريمة إلى ثلاث طوائف: 1- الآيات التي حصرت علم الغيب باللَّه.