الثالث: في وجوب الغسل من الأعلى إلى الأسفل أو العكس أو
التخيير
و الذي صرّح به المحقّق في «الشرائع» [1] هو
الأوّل، و منشأ توهّم الخلاف التعبير بكلمة «إلى» في الآية الشريفة.
بتقريب: أنّ المرفق غاية للغسل، و الآية متعرّضة لبيان
كيفيّة الغسل؛ و أنّه يجب الابتداء من الأصابع إلى المرفق.
و لكنّه لا يخفى ظهورها في كون المرفق غاية للمغسول، كما
يظهر بملاحظة أمثال الآية من الاستعمالات، فإنّ التتبّع فيها يقضي بكون استعمال
«إلى» إنّما هو لمجرّد التحديد، فإنّه لو قال المولى لعبده: اغسل من هذا المكان
إلى المكان الفلاني، فلا يفهم العبد منه إلّا مجرّد كون الواجب عليه هو غسل ذلك
المقدار المحدود، و أمّا الكيفيّة و وجوب الابتداء من المكان الأوّل و الانتهاء
إلى المكان الثاني، فلا يخطر بباله أصلًا.
و بالجملة: فالظاهر كون المرفق غاية للمغسول؛ و أنّه لا يجب
غسل المقدار الباقي من اليد، الذي لو لم يكن التحديد بالمرفق لشملته كلمة «اليد»؛
إذ الظاهر- حينئذٍ وجوب غسل جميع أجزائها، فهي تدلّ على تحديد المقدار المغسول، و
أمّا بالنسبة إلى كيفيّة الغسل فهي مطلقة لا تدلّ على تعيين أحد الأمرين؛ بحيث
لو لم يكن في البين ما يدلّ على لزوم الغسل من المرفق إلى أطراف الأصابع على
سبيل التعيين، لقلنا بالتخيير بينهما.
و لكن ورد في المقام أخبار تدلّ على تعيّنه، و بها يقيّد
إطلاق الآية و سائر الروايات المطلقة