وامتثالها،
فوجود أصل الحجّة والدليل معلوم لنا، والمطلوب في علم الاصول تعيّنات الحجّة
وتشخّصاتها، كخبر الواحد والشهرة والظواهر ونحوها، ففي قولنا: «خبر الواحد حجّة»
وإن جعل وصف الحجّيّة محمولًا، ولكنّه بحسب الحقيقة هو الموضوع، فإنّه الأمر
المعلوم، والمجهول تعيّناته وأفراده، فمحصّل مسائل الاصول هو أنّ الحجّة التي نعلم
بوجودها إجمالًا، لها تعيّنات وأفراد، منها خبر الواحد، ومنها الشهرة، وهكذا، فكلّ
مسألة يرجع البحث فيها إلى تعيين مصداق للحجّة، مسألة اصوليّة، كمسألة حجّيّة
الخبر والشهرة والإجماع، وحجّيّة أحد الخبرين في باب التعارض، ومسألة حجّيّة القطع
بقسميه من التفصيلي والإجمالي، فإنّ حجّيّة القطع التفصيلي كانت أمراً واضحاً،
ولذا لم يتعرّض لها القدماء، إلّاأنّ توهّم عدم الحجّيّة في بعض أقسامه أوجب البحث
عنها، فهي أيضاً من مسائل علم الاصول، ولا ربط لها بالمسائل الكلاميّة- كما في
الكفاية [1]- وليست الحجّة في اصطلاح الاصولي
عبارة عن حدّ الوسط، بل هي بمعناها اللغوي، أعني ما يحتجّ به المولى على العبد
وبالعكس في مقام الامتثال، فيكون القطع بقسميه أيضاً من مصاديقها حقيقةً.
وعلى
هذا فمبحث الاشتغال من مباحث الاصول، حيث يرجع البحث فيه إلى البحث عن حجّيّة
العلم الإجمالي، وكذلك مبحث حجّيّة الاستصحاب، بل ومبحث البراءة أيضاً، إذ محصّل
البحث فيه هو أنّ صرف احتمال التكليف يكفي لتنجيز الواقع، ويصحّح احتجاج المولى
ومؤاخذته أم لا؟ وكذلك مسألة التخيير، حيث إنّ المبحوث عنه فيها أنّه في مقام
دوران الأمر بين المحذورين