إذا
عرفت هذين الفرعين فاعلم أنّ محل البحث في المقام هو الوسط بين الفرعين، بمعنى
تعدّد الجناية الواقعة فيه، فيغاير الأوّل لعدم صدور أزيد من جناية واحدة فيه، و
عدم تحقّق الاندمال المانع عن السراية، فيغاير الثاني لفرض عدم السراية فيه بوجه.
و
بعد ذلك يقع الكلام تارة فيما هو مقتضى القواعد و الأدلّة العامة الواردة في
القصاص، و أُخرى فيما هو مقتضى الروايات الخاصة الواردة في المقام، فنقول:
أمّا
من جهة القواعد و الأدلّة العامة مثل: قوله تعالى
وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ
وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ
الْجُرُوحَ قِصاصٌ إلى آخر الآية [1]. فلا إشكال في أنّ مقتضاه تعدّد
القصاص فيما إذا كانت الجنايات العديدة متفرّقة واقعة في أزمنة مختلفة و إن لم
يتخلّل بينهما الاندمال؛ لأنّ مقتضى الآية جواز قصاص العين بالعين مثلًا مطلقاً،
من دون فرق بين ما إذا تحقّق بعد جناية العين جناية أخرى موجبة للموت، و ما إذا لم
تتحقّق جناية كذلك، لعدم وقوع التقييد فيه.
كما
أنّ مقتضى الآية الجواز كذلك من دون فرق بين ما إذا كانت الجنايات العديدة متحقّقة
بضربات متعدّدة، و بين ما إذا كانت متحقّقة بضربة واحدة، و إن كان ظاهر المحقّق في
الشرائع خلافه، حيث قال في وجه أقربية قول النهاية: