كما
عرفت أنّه المصرّح به في الجواهر، أو يعتبر أن يكون له مادّة مع الجريان؛ [1] سواء كانت مادّته تحت الأرض كالعيون،
أو فوق الأرض كالماء الجاري على الأرض المنحدر من الجبال الحاصل من ذوبان الثلج
عليها، أو يعتبر فيه النبع من الأرض؛ سواء كان جارياً على الأرض، أم لم يكن كذلك،
كما عرفت من المسالك، بل يظهر من بعضهم انّه المشهور بينهم [2]؟
ويمكن
أن يورد على الأوّل بأنّ مادّة الجريان لم يؤخذ فيها النبوع، كما يظهر بمراجعة
اللغة [3]، وقد عرفت أنّه يقال: جرى الماء من
الإبريق، أو الماء الجاري منه بنحو التوصيف، وهذا بمكان من الوضوح.
وحينئذٍ
فإن كان إطلاق الجاري من قبيل إطلاق التاجر بحيث لم يعتبر فيه اشتغاله بالتجارة فعلًا،
بل يكفي في صدقه اتّخاذه صنعة وحرفة، فاللّازم عدم اعتبار التلبّس بالمبدأ في معنى
الجاري، وحينئذٍ فلا وجه لإضافة قيد السيلان بالفعل واعتباره في تحقّقه، بل لابدّ
من الالتزام بكفاية ملكة الجريان في صدقه وإن لم يكن جارياً بالفعل، كما أنّه يطلق
«التاجر» على التاجر المحبوس غير المشتغل بالتجارة في برهة من الزمان.
وبالجملة:
فلفظ «الجاري» إمّا أن يكون تابعاً لفعله في الصدق، وإمّا أن يكون من قبيل التاجر،
فعلى الأوّل: لا مجال لأخذ قيد النبوع من الأرض فيه، كما أنّه على الثاني: لا وجه
لاعتبار الجريان بالفعل في صدقه وتحقّقه، فالجمع بين الأمرين ممّا لا يساعده
اللغة، اللّهُمّ إلّاأن يقال بموافقة العرف معه.