من تكملة علم
المعاني في الاستدلال ؛ وهو اكتساب إثبات الخبر للمبتدأ ، أو نفيه عنه ، بوساطة
تركيب جمل ، وقولي : بوساطة تركيب جمل ، تنبيه على ما عليه أصحاب هذا النوع من إباء
أن يسموا الجملة الواحدة حجة واستدلالا ، مع اكتساب إثبات ونفي بوساطتها ، مما
يلزم من اندراج حكم البعض في حكم الكل ، كاستلزام : كل إنسان حيوان بعض الأناسي
حيوان لا محالة. ومن الانعكاس على بعض الخبر في الثبوت كاستلزام كل إنسان حيوان أن
بعض الحيوان إنسان ، وعلى كله في النفي العنادي كاستلزام لا إنسان بحجر ، أن لا
حجر بإنسان ، وغير العنادية أيضا عندنا وسنقرره مثل : لا إنسان بضحاك بالفعل ، ومن
نفي النقيض : كاستلزام كل إنسان حيوان أن ما ليس بحيوان ليس بإنسان : وستسمع لهذه
المعاني تفاصيل بإذن الله. وإذ قد نبهناك على ذلك فنقول :
اعلم أن الخبر
متى لم يكن معلوم الثبوت للمبتدأ بالبديهة ، كما في نحو : الإنسان حيوان ، أو
معلوم الانتفاء عنه بالبديهة ، كما في نحو : خ خ الإنسان ليس بفرس ، بل كان بين
بين ، نحو قولنا : خ خ العالم حادث ، فإن الحدوث ليس بديهي الثبوت للعالم ، ولا
بديهي الانتفاء عنه.
وإذا أردنا
العلم أو الظن ، لزم المصير إلى ثالث يشهد لذلك ، لكن من المعلوم أن ذلك الثالث ،
ما لم يكن ذا خبر عن الطرفين ، أعني ذا نسبة إليهما ، لم يصح أن يشهد في البين
نفيا أو إثباتا ، وإذا شهد لم يفد العلم أو الظن ما لم تكن شهادته واجبة القبول أو
راجحته ، فيظهر من هذا أن : لا بد في الاستدلال للمطلوب من جملتين لا أنقص ،
إحداهما : لنسبة الثالث إلى المبتدأ ، مثل قولنا : خ خ العالم قرين حادث. والثانية
: لنسبته إلى الخبر ، مثل قولنا : وخ خ كل قرين حادث حادث.