نام کتاب : مفتاح العلوم نویسنده : السّكّاكي جلد : 1 صفحه : 421
شاكل ذلك ، ولكون (ما) ، للسؤال عن الجنس ، وللسؤال عن الوصف ، وقع بين
فرعون وبين موسى ما وقع ؛ لأن فرعون حين كان جاهلا بالله ، معتقدا أن لا موجود
مستقلا بنفسه سوى أجناس الأجسام ، اعتقاد كل جاهل لا نظر له ، ثم سمع موسى قال : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ)[١] سأل بما عن الجنس سؤال مثله فقال : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)[٢] كأنه قال : أي أجناس [الأجسام][٣] هو؟ وحين كان موسى عالما بالله ، أجاب عن الوصف ؛
تنبيها على النظر المؤدي إلى العلم بحقيقته الممتازة عن حقائق الممكنات ، فلما لم
يتطابق السؤال والجواب عند فرعون الجاهل ، عجب من حوله من جماعة الجهلة ، فقال لهم
(أَلا تَسْتَمِعُونَ)[٤] ثم استهزأ بموسى وجنّنه ف : (قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي
أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ)[٥] وحين لم يرهم موسى يفطنون لما نبههم عليه في الكرتين من
فساد مسألتهم الحمقاء ، واستماع جوابه الحكيم غلظ في الثالثة ف : (قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)[٦] ويحتمل أن يكون فرعون قد سأل (بما) عن الوصف لكون رب
العالمين عنده مشتركا بين نفسه وبين من دعاه إليه موسى في قوله : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) لجهله ، وفرط عتوه ، وتسويل نفسه الشيطانية له ذلك
الضلال الشنيع من ادعاء الربوبية وارتكاب أن يقول : (أَنَا رَبُّكُمُ
الْأَعْلى)[٧] ونفخ الشيطان في خيشومه بتسليم أولئك البهائم له إياها
، وإذعانهم له بذلك ، وتلقيبهم إياه برب العالمين ، وشهرته فيما بينهم بذلك ، إلى
درجات دعت السحرة إذ عرفوا الحق ، وخروا سجدا لله و: (قالُوا آمَنَّا
بِرَبِّ الْعالَمِينَ)[٨] إلى أن يعقبوه ، بقولهم : (رَبِّ مُوسى
وَهارُونَ)[٩] نفيا لاتهامهم أن يعنوا فرعون ، وأن يكون