نام کتاب : مفتاح العلوم نویسنده : السّكّاكي جلد : 1 صفحه : 406
بناء على جهلهم أن الرسول يمتنع أن يكون بشرا ، أو ما تسمع في موضع آخر كيف
تجد ما يحكى عنهم هناك ، يرشح بما يتلوث به صماخك من تقرير جهلهم هذا ، وهو : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا
وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ)[١] وما أعجب شأن المشركين؟ ما رضوا للنبي أن يكون بشرا ،
ورضوا للإله أن يكون حجرا ، وأما قول الرسل لهم : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)[٢] فمن باب المجاراة ، وإرخاء العنان مع الخصم ليعثر حيث
يراد تبكيته ، كما قد يقول من يخالفك فيما ادعيت : إنك من شأنك كيت وكيت ، فأنت
تقول : نعم ، إن من شأني كيت وكيت ، الحق في يدك هناك ، ولكن كيف يقدح في دعواي
هاتيك؟ وعلى هذا ، ما من موضع يأتي فيه النفي والاستثناء إلا والمخاطب عند المتكلم
مرتكب للخطأ مع إصرار ، إما تحقيقا ، إذا أخرج الكلام على مقتضى الظاهر ، وإما
تقديرا ، إذا أخرج لا على مقتضى الظاهر ، كقوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي
الْقُبُورِ* إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ)[٣] لما كان النبي ، عليه الصلاة والسّلام ، شديد الحرص على
هداية الخلق ، وما كان متمناه شيئا سوى أن يرجعوا عن الكفر ، فيملكوا زمام السعادة
، عاجلا وآجلا ، ومتى رآهم لم يؤمنوا تداخله ، عليه الصلاة والسّلام ، من الوجد
والكآبة ما كاد يبخع [٤] له ، حتى قيل له : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ
نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا)[٥] ، ويتساقط ، عليه الصلاة والسّلام ، حسرات على توليهم
وإعراضهم عن الحق ، وما كانت شفقته عليهم تدعه يلقي حبلهم على غاربهم ليهيموا في
أودية الضلال ، بل كانت تدعوه ، عليه الصلاة والسّلام ، أن يرجع إلى تزيين الإيمان
لهم ، عوده على بدئه ، عسى أن يسمعوا