نام کتاب : الممتع في التّصريف نویسنده : ابن عصفور جلد : 1 صفحه : 20
بل قد كان أبو
بكر وغيره ، ممن هو في طبقته ، قد استسرفوا أبا إسحاق ، رحمه الله ، فيما تجشّمه
من قوة حشده ، وضمّه ما انتشر من المثل المتباينة إلى أصله ، وإن كان جميع ذلك
راجعا إلى تركيب واحد ، ورأوا أنه لا ينبغي أن يضمّ ، من ذلك ، إلّا ما كان الجمع
بينه وبين أصله واضحا جدّا ، فإن لم يكن وجه رجوع اللفظ إلى غيره بيّنا ـ بل
التكلّف فيه باد ـ وجب أن يدّعى أنهما أصلان ، وليس أحدهما مأخوذا من الآخر ، نحو
الجمع بين «حمار» و «حمرة» ، بأن يدّعى أن أصل هذا الاسم أن يقع على الوحشية منها
، وأكثرها حمر ، ثم شبّهت الأهليّة بها ، فوقع عليها الاسم ، فإذا كان الأمر عندهم
على ما ذكرت لك ، مع اتّفاق اللّفظين في تركيب واحد ، فما ظنّك بهما ، إذا تغايرا
في التركيب؟
والاشتقاق
الأصغر حدّه أكثر النحويّين بأنه «إنشاء فرع من أصل يدلّ عليه» ، نحو «أحمر» فإنه
منشأ من «الحمرة» ، وهي أصل له وفيه دلالة عليها ، وهذا الحدّ ليس بعام للاشتقاق
الأصغر ؛ لأنه قد يقال «هذا اللّفظ مشتقّ من هذا» من غير أن يكون أحدهما منشأ من
الآخر ، وذلك إذا كان تركيب الكلمتين واحدا ، ومعنياهما متقاربين ، وذلك نحو ما
ذهب إليه أبو عليّ في «أولق» ، في أحد الوجهين ، من أنه مأخوذ من : ولق يلق ، إذا
أسرع ، وذلك لأنّ «الأولق» : الجنون ، وهي مما يوصف بالسرعة ، فلمّا كانت حروف «أولق»
، إذا جعلته «أفعل» ، و «ولق» واحدة ، ومعنياهما متقاربين ؛ لأنّ الجنون ليست
السرعة في الحقيقة ، بل يقرب معناها من معنى السرعة ، جعل «الأولق» مشتقا من «ولق»
، لا بمعنى أنّ «الأولق» مأخوذ من «ولق» ، بل يريد أنّ «الأولق» حروفه الأصول
الواو واللّام والقاف ، كما أنّ «ولق» كذلك ، ويستدلّ على ذلك بأنّ العرب جعلت هذه
الأحرف دالّة على السرعة ، و «الأولق» قريب في المعنى من السرعة ، فحروفه الأصول
الواو واللّام والقاف ، وهمزته زائدة ، فيجعل سبب اتفاق «الأولق» و «ولق» في اللفظ
تقاربهما في المعنى ؛ لأنّ هذا الاتفاق بين اللفظين وقع بالعرض ، كاتّفاق «الأسود»
و «الأبيض» في لفظ «الجون» ، إذ لا جامع ، من طريق المعنى ، بين «الجون» الذي يراد
به الأبيض و «الجون» الذي يراد به الأسود.
فإن قيل : فكيف
يجوز أن تقول «هذا اللفظ مشتقّ من هذا اللفظ» ، وأحدهما ليس بمأخوذ من الآخر ،
وقولك «مشتق» يعطي أخذ أحدهما من صاحبه؟
فالجواب : أنّ
هذا على طريق المجاز ، كأنهما ـ لاتّحاد لفظيهما وتقارب معنيهما ـ قد أخذ أحدهما
من الآخر ، كما تقول في الشّخصين المتشابهين : هذا أخو هذا ، تشبيها لهما
بالأخوين.
نام کتاب : الممتع في التّصريف نویسنده : ابن عصفور جلد : 1 صفحه : 20