رأيت النخل. وفي
رواية : رأيت السواد ، أي نخلة الكوفة [١].
فقال له جماعة من أصحابه : والله ، إنّ في هذا المكان ما رأينا نخلة قطّ! فقال
الحسين (عليه السّلام) : «فما ترونه؟». قالوا : نراه والله آذان الخيل. قال (عليه
السّلام) : «وأنا أرى ذلك». ثمّ قال : «ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله خلف ظهورنا
ونستقبل القوم بوجه واحد؟». فقلنا له : بلى ، هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن
يسارك ، فإن سبقت إليه فهو كما تريد. فأخذ يسير إليه متياسراً حتّى وصل إليه.
فمالَ بالركبِ إلى ذي حُسمِ
وجاءهُ الحرُّ فكان الملتقى
(حُسَم) : بالضم ثم الفتح ، مثل جرذ وصرد ، كأنّه معدول من حاسم ، وهو
المانع ، اسم موضع. ويروى بضمتين ، هضبة منيعة. وقيل : جبل كان النعمان بن المنذر
يصطاد به. وفيه للنابغة أبيات ، وقد ذكرها أيضاً يحيى المعروف بالمهلهل [٢]
بشعره :
قلت : يروى أنه لمّا بانت للحسين (عليه
السّلام) طلايع الخيل مال بأصحابه إلى ذي حسم. قال الراوي : فما كان بأسرع من أن
طلعت علينا هوادي الخيل [٥]
[١] كان قد كثر النخل
آنذاك في طفّ العراق بسبب العيون التي فيه.
ذكر البلاذري قال : حدّثني
الأثرم ، عن عبيدة ، عن عمرو بن العلاء قال : لمّا رأت العرب كثرة القرى والنخل
والشجر قالوا : ما رأينا سواداً أكثر. والسواد : الشخص ؛ فلذلك سمّي السواد سواداً.
[٢] وقيل : المهلهل
هو كليب ، واسمه عدي بن ربيعة ، وإنّما قيل له : المهلهل لأنّه أوّل مَنْ هلهل
الشعر ، أي أرقّه. ولمّا قُتل أخوه كليب شمّر المهلهل فترك النساء والغزل ، وحرّم
القمار والشراب ، واستعدّ لحرب بكر آخذاً بثأر أخي كليب ، فدارت من ذلك حروب طاحنة
ووقائع عديدة.