فأما قول عمر في بدء الخلافة : ( فلما
خفت الاختلاف قلت لأبي بكر : ابسط يدك أبايعك ) ، [٢]
فهو وجه آخر لكلام ذلك المنافق الذي طلب من النبي إعذاره من محاربة الروم
في غزوة تبوك ؛ لأنه رجل يحب النساء ويخاف أن يُفتَن بجمال نساء الروم
ويخسر أجره ، فنزل القرآن بقوله تعالى : ( وَمِنْهُم مَّن
يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ
بِالْكَافِرِينَ )
، [٣] وهذا ما أرادت السيدة فاطمة
الزهراء الإشارة إليه في قولها : ( زعمت خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا )
لأن المنافق أراد أن يقول كما قالت بنو إسرائيل (
اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ).
فتركُ الجهاد في ركاب الرسول هو الفتنة
حقاً ، لأنها تستعقب الشرك والكفر بالله ، وكذا الحال بالنسبة إلى إبعاد
الوصي عن منصبه ، لأنّه قد جرّأ الطلقاءَ والمنافقين أن يفكّروا في
الاستخلاف على الأُمة الإسلامية ، إنها فتنة وما أعظمها من فتنة.
إن الزهراء عليهاالسلام وبقولها السابق (
فهيهات
منكم وكيف بكم وأنّى تؤفكون ؟ وكتاب الله بين أظهركم ، أُموره ظاهرة ... )
أرادت أن تشير إلى كون منصب الخلافة هو منصب إلهي ، وكيف بالناس لا يعرفون
ذلك ، وكتاب الله بين أظهرهم ، وأُموره ظاهرة دالة على الاستخلاف الإلهي ،
في مثل قوله تعالى : (
وَإِذِ ابْتَلَىٰ