نام کتاب : دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم نویسنده : محمد بيومي مهران جلد : 1 صفحه : 399
تكون حقيقة وقعت ، وقد تكون أسطورة وضعت ، فإنه لا يعلم الحقيقة إلا الله ،
ومع ذلك ، فلو صدقنا جدلا أنها قد حدثت فعلا ، فهي إنما تمثل احتجاج رجل ـ أو
جماعة من العرب ـ على سياسة أبرهة نحو الكعبة ، ورغبته في صرف حاج العرب عنها ،
ولكنها لن تكون سببا كافيا لقيام حملة تضم آلافا مؤلفة من جنود الحبشة ، فضلا عن
الذين اشتركوا فيها من قبائل اليمن ، وبقيادة أبرهة نفسه. وهو الذي يملك الكثير من
الوسائل الأخرى لتأديب هذا الرجل ، أو تلك الجماعة ، على تدنيسهم لكنيسته.
وأما رواية
السيوطي ، فظاهرها المنطق ، وباطنها كثير من الخيال ، فأكسوم بن الصباح ـ حفيد
أبرهة ـ رجل نصراني ، وما كانت النصارى تحج إلى مكة ، وما كان حفيد أبرهة بالذات
هو الذي يحج إلى كعبة قريش ، لأنها كانت محجة الوثنيين وقت ذاك ، ولأن جده أبرهة
هو الذي كان يعمل جاهدا على صرف العرب عنها وتحويلهم إلى القليس ، وليس من المنطق
، فضلا عن حقائق التاريخ ، إن يكون أول الخارجين على سياسة أبرهة ، حفيده يكسوم
هذا ، وإلا لما غضب أبرهة من أجل سرقة قناعة ، فضلا عن حلى كنيسة نجران ، ثم إن
السيوطي إنما يخالف الإجماع فيما ذهب اليه من أن الذي كان على رأس الجيش ، إنما هو
«شهر بن معقود» وليس أبرهة نفسه ، كما انه يسبغ على قائد الحملة لقب «ملك» ، وقد
كان ذلك لقب أبرهة ، ولم يكن «شهر» هذا ممن يحملون هذا اللقب الرفيع [١].
وأما رواية
القرطبي ، فالجديد فيها أن سبب الحملة ، إنما كان أحراق بيعة ، وليس تدنيس القليس
، وأنها في الحبشة ، وليست في اليمن ، وأن الذي أمر بها إنما كان النجاشي ، وليس
أبرهة ، الذي لم يتجاوز دوره فيها