يُذَكِّرُهُمْ أَسَى الْمَاضِينَ مِنْ قَبْلِهِ. فَبَيْنَا هُوَ كَذلِكَ عَلَى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا؛ وَ تَرْكِ الْأَحِبَّةِ؛ إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ، فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ، وَ يَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَيَّ عَنْ رَدِّهِ، وَ دُعَاءٍ مُؤْلِمٍ بِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ! مِنْ كَبِيرٍ كانَ يُعَظِّمُهُ، أَوْ صَغِيرٍ كانَ يَرْحَمُهُ، وَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَراتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ، أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا.
و من خطبة له (ع) (222)
قاله عند تلاوته:
«يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَ الْآصَالِ رِجَالٌ لَاتُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لَابَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ».
إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى جَعَلَ الذِّكْرَ جِلَاءً لِلْقُلُوبِ، تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ، وَ تُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ، وَ تَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ، وَ مَا بَرِحَ لِلَّهِ- عَزَّتْ آلَاؤُهُ- فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ، وَ فِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ، وَ كَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ، فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقْظَةٍ فِي الْأَبْصَارِ وَ الْأَسْمَاعِ وَ الْأَفْئِدَةِ، يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللَّهِ، وَ يُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ، بِمَنْزِلَةِ الْأَدِلَّةِ فِي الْفَلَوَاتِ. مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ، وَ بَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ، وَ مَنْ أَخَذَ يَميناً وَ شِمَالًا ذَمُّوا إِلَيْهِ الطَّرِيقَ، وَ حَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ، وَ كانُوا كَذلِكَ مَصَابِيحَ تِلكَ الظُلُماتِ، وَ أَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ. وَ إِنّ لِلذِّكْرِ لَأَهْلًا أَخَذُوهُ مِنْ الدُّنْيَا بَدَلًا، فَلَم تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَ لَابَيْعٌ عَنْهُ، يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ الْحَيَاةِ، وَ يَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فِي أَسْمَاعِ الْغَافِلِينَ، وَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَ يَأْتَمِرُونَ بِهِ،