responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : يسئلونك عن... نویسنده : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    جلد : 1  صفحه : 171

عندها تأتي الشفاعة محركة لهم لتقول لهم: لا تيأسوا واستمروا في طريق الحق، ولا تتخلّوا عن سعيكم وجهادكم في هذا الطريق، وإذا بدرت منكم زلّة ما، فهناك شفعاء بإذن الله عزّ وجلّ يقومون بالشفاعة لكم من قبل الله الذي تشمل رحمته كافة الناس.

فالشفاعة ليست دعوة إلى الكسل أو هروباً من تحمل المسؤولية أو ضوءاً أخضر لارتكاب المعاصي والذنوب، وأنّ الشفاعة هي دعوة للاستقامة في طريق الحق وتقليل المعاصي حتى الإمكان، وإن كان البحث في الشفاعة بحاجة إلى طرح مواضيع كثيرة لا مجال لبحثها في هذا المجال، ولكنني أوجه انتباههم إلى قصة لطيفة في هذا المجال، حتى يعلم أنّ الشفاعة كذلك لا تتم عبثاً (8).

نقل أحد علماء طهران المحترمين (رحمة الله عليه) إنّه كان هناك شاعر يدعى (حاجب) مبتلى ببعض الأفكار الخاطئة العامة حول الشفاعة فقرض مبيتاً من الشعر يقول فيها:

بما معناه: إنّي لا أخاف أن ارتكب أي شي‌ء من المعاصي ما دمت أضمن أنّ المحاسبة يوم الحشر تكون بيد علي عليه السلام! وفي الليل رأى علياً عليه السلامفي حال من الغضب يقول له: لم تقل شعراً جيداً، فقال له الشاعر: ما كان عليّ أن أقول؟ فقال: أصلح شعرك وقل: إذا كان الأمر بيد علي عليه السلاميوم الحشر فيجب عَلَيّ أن أقلِّل ما

استطعت من ذنوبي حتى لا أخجله!

وفي الآية التالية يضيف الله عزّ وجلّ: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً، وبهذا الترتيب فإن إحاطة علم الله عزّ وجلّ يكون بأعمالهم وجزاء تلك الأعمال، وهذان الأمران في الحقيقة ركنان أساسيان للحكم الكامل والعادل حيث يجب على القاضي أن يكون على دراية كاملة عن الأحداث بالإضافة إلى أحكامها وعقوباتها.

وفي الآية التالية يقول تعالى: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ‌ و (عَنَتَ) من مادة (عنو) بمعنى الخضوع والذلة لا يطلق على الأسير لفظ (العاني) لأنه في أسره خاضع وذليل.

ونلاحظ أنّه تعالى قد نسب الخضوع للوجوه، لأن جميع آثار الظواهر النفسية في الإنسان أول ما تظهر في صفحة وجهه منها الخضوع.

وقد ذكر بعض المفسرين احتمالًا آخر بأنّ الوجوه في هذه الآية بمعنى الرؤوساء، إذ إنّ جميع الخلق عند الله عزّ وجلّ في ذلك اليوم يكونون أذلاء وخاضعين ولكن التفسير الأول هو الأنسب برأينا.

وإنّ اختيار صفة (الحي والقيوم) من بين صفات الله عزّ وجلّ ثمّ بسبب التناسب بين هاتين الصفتين ويوم القيامة حيث يكون يوم الحياة والقيام لجميع الناس.

وفي ختام الآية يضيف تعالى‌ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً).

وكأن الظلم حمل ثقيل عظيم على ظهر الإنسان تثقل كاهله وتمنعه من التقدم نحو النعم الإلهيّة الخالدة، وإنّ الظالمين بسبب ظلمهم أنفسهم أو الآخرين حينما يرون بأعينهم ذلك اليوم الذي قد خفت فيه كواهل البعض من الذنوب يمضون إلى الجنّة، أمّا من يدفعون إلى جهنم تحت تأثير ثقل ظلمهم فإنّهم يلقون نظرة حسرة إلى هؤلاء! وبما أنّ الأسلوب القرآني غالباً ما يتخذ الأسلوب التطبيقي في طرح المسائل، فإنّه يذكر حال المؤمنين بعد ذكر مصير الظالمين والمجرمين في ذلك اليوم‌

حيث يقول: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (9).

وإنّ تعبير هذه الآية بالقول‌ (من الصالحات‌ إشارة إلى أنّهم لم يستطيعوا أن يقوموا بجميع الأعمال الصالحة حيث قاموا بجزء منها على الأقل لأنّ الإيمان بدون عمل صالح كشجرة بلا ثمرة، كما أنّ العمل الصالح بدون إيمان كالشجرة التي لا أصل لها، إذ من الممكن أن تبقى عدّة أيّام وتستمر ولكنها في النهاية تجفّ ولهذا فإنّ الله عزّ وجلّ في هذه الآية ذكر العمل الصالح مقيداً بقوله (وهو مؤمن).

ومن المعلوم أنّ العمل الصالح لا يمكن أن يوجد بلا إيمان، وإذا رأينا أحياناً بعض الأفراد الذين لا إيمان لهم يقومون بأعمال حسنة فإنّ هذا الأمر بلا شك ضعيف ومحدود واستثنائي، وبتعبير آخر، فإنّ العمل الصالح إذا أُريد له أن يستمر ويدوم متجذراً ومتعمقاً، فيجب أن يكون مليئاً بالعقيدة السليمة والاعتقاد الصحيح.

1. سورة المزمل، الآية 14.

2. سورة الطور، الآية 10.

3. سورة المزمل، الآية 14.

4. سورة القارعة، الآية 5.

5. القاع وهي الأرض الجرداء المستوية، وفسّرها البعض بالمحل الذي يتجمع فيه الماء، وأمّا الصفصف، بمعنى الأرض الجرداء، ويستفاد من هذين الوصفين ما يلي: في ذلك اليوم تُمحى الجبال والنبات جميعاً من سطح الأرض وتبقى الأرض جرداء.

6. العوج، بمعنى الانحراف والتقعر، والأمت، بمعنى الأرض المرتفعة والتلة، بناءً على هذه الآية فإنّه يصبح المعنى بمجموعه كما يلي: في ذلك اليوم لا يُرى في الأرض أي تضريس مقعّر أو مسطح.

7. الهمس، على وزن اللمس ويقول الراغب في مفرداته: إنّه الصوت الخفي والخافت، وفسّره البعض بصوت الأقدام العارية الخفية، وفسّره البعض الآخر بحركة الشفتين دون أن يُسمع منها صوت، حيث ليس بينها اختلاف كثير.

8. للبحث أكثر في الموضوعات المتعلقة بالشفاعة ذكرناها في التفسير الأمثل، ج 1، ذيل الآيات 47 و 48 من سورة البقرة، وج 2، ذيل الآية 255 من سورة البقرة.

9. الهضم في اللغة، بمعنى النقص، وعندما يطلق على هضم الطعام في البدن كذلك فلأنّه يقل ظاهرياً ويبقى منه الثفالة.

نام کتاب : يسئلونك عن... نویسنده : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    جلد : 1  صفحه : 171
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست