مستوى التنفيذ والتطبيق في الواقع الخارجي، لأنّه، أولًا:
إنّ القيم مختلفة في نظر أفراد المجتمع.
وثانياً: إنّ أدوات توفير اللذة مختلفة أيضاً. وثالثاً:
لم يذكر بنتام معياراً محدّداً لتشخيص حدود اللذّة والألم، وما هي اللذائد
التي يأخذها المقنّن بنظر الاعتبار مع وجود لذّات مختلفة وأذواق متفاوتة للناس،
وبالتالي ينعكس هذا الأمر على عملية وضع القانون حيث لا يمكن حينئذٍ وضع القانون
على أساس الاعتقاد بأنّ اللذّة خير وأنّ الألم شرّ بشكل مطلق.
2. إنّ أحد خصوصيات هذه النظرية، تفكيك الحقوق عن أصل العدالة، وهذا بإمكانه
أن يمهّد الأرضية المناسبة لاستغلال السلطة وتحوّلها إلى قدرة دكتاتورية مستبدّة،
كما ورد التصريح بذلك في كلام بنتام نفسه، في حين أنّه، إذا جعلنا المعيار هو أصل
العدالة في المجتمع، فبالإمكان منع الكثير من أشكال الاستغلال للسلطة في واقع
الحياة السياسية والاجتماعية.
3. إنّ هذه النظرية التي ترى أنّ جميع أشكال التعارض والصراع الاجتماعي ناشىء
من تعارض المنافع، ومع حلّ التعارض بين المنافع ستنحلّ المشاكل الاجتماعية أيضاً،
وتتحقّق الغاية من النظام الحقوقيّ؛ تعدّ خطأ كبيراً آخر في نظرية بنتام لأنّ
الإنسان في ذات الوقت الذي يهتمّ فيه بالأمور المادّية والمسائل الاقتصادية، فإنّه
يتحرّك أيضاً على مستوى اتّباع القيم الأخرى والاهتمام بالفضائل الأخلاقية والمثل
المعنوية في حركة الحياة [1].
أتباع بنتام:
لقد كان لآراء وأفكار بنتام تأثيراً ملحوظاً فيأوساط الحقوقيين الغربيين،
وكانت منشأً لوقوع تحوّل في دائرة الحقوق في المجتمع البريطاني وسائر البلدان
الأوربية وكذلك أمريكا، ومن أشهر أتباع بنتام هم: استين، جان استوارت ميل، هارت،
ايرينك وكِلْسِنْ. وهنا نشير إلى أفكار وآراء بعض هؤلاء بشكل موجز:
يعترف آستين فقط- كبنتام- بأصلين مهمّين من بين الأصول والقيم الأخرى، وهما:
الأمن والنفع. وبالرغم من أنّ آستين من حيث العقيدة يعتبر في دائرة المفكّرين
الإلهيين، ولكنّه على مستوى الواقع العمليّ لا يخالف مسلك بنتام المادّي سوى في
مورد واحد، وهو أنّ آستين في موارد سكوت أو إبهام القانون لا يرى لزوم مراجعة
القاضي للمقنّن، بل يقول: إنّ القاضي يمكنه وضع ما يناسب الحالة في دائرة
اختياراته. ويرى أيضاً أنّ حكم القاضي في الموارد المتماثلة لا يجب أن يكون
متماثلًا أيضاً، بل يمكنه أن يملك تفسيراً مختلفاً لكلّ واحد من الموردين على أساس
اختلاف مقتضيات الزمان والمكان، لأنّ المقنّن قد أخذ بنظر الاعتبار حلّ وفصل
الأمور بطريقة عقلانية تمكّنه من تحقيق العدالة والابتعاد عن الظلم والجور ورعاية
الموازين الأخلاقية بشكل كامل. وعلى هذا الأساس فإنّ آستين بالنسبة لمشروعية
القوانين التي يضعها الحاكم لا يرى لزوم رعاية القيم والمبادىء الأخلاقية، ولكنّ
رعاية هذه الأمور والقيم صحيح أخلاقياً.
ويرى آستين بالنسبة لخصوصيات المقنّن أنّه ينبغي
[1]. راجع لمعرفة الانتقادات الأخرى
الواردة على نظرية بنتام: مقدمة على الحقوق الإسلامية، ج 2، ص 131 و 132
(بالفارسيّة).