والمصالح المرسلة في حلّ المسائل المستحدثة.

3. علم مقاصد الشريعة وارتباطه بالمسائل المستحدثة.

البحث الأول: و فيه عدّة مقدّمات‌

1. تعريف المسائل المستحدثة

المسائل المستحدثة عبارة عن: «كلّ مسألة ترتبط بموضوع جديد ومن هذه الجهة لا يوجد لها حكم شرعيّ في النصوص»، سواء كان ذلك الموضوع غير الموجود في الماضي أم كان موجوداً ولكن تغيرت بعض الخصوصيات والشروط والقيود بحيث أصبحت موضوعاً جديداً، بالنسبة للقسم الأول يمكن أن تكون البطاقات الاعتبارية من هذا القبيل، والقسم الثاني مسألة مالية البدن والدم. لأنّ موضوع بدن «الميّت» أو «الدم» وإن كان موجوداً في السابق، ولكن بسبب عدم إمكان الاستفادة المشروعة منه، لم يعتبر مالًا.

2. ضرورة البحث في المسائل المستحدثة

إنّ ضرورة البحث في هذه المسائل والفائدة المترتّبة عليه، يمكن بيانها بنحوين:

الأوّل: إنّ التغيير والتحوّل المستمرّ في ظواهر هذا العالم يعدّ من خصوصيات عالم المادة، بل يعتقد الكثير من الفلاسفة أنّ التغيير والتحوّل هو من اللوازم الذاتية وغير القابلة للإنفكاك في عالم المادة (وهي نظرية الحركة الجوهرية) وبما أنّ الإنسان يعيش في هذا العالم فإنّ هذا التغيير والتحوّل يستوعب بشكل غير اختياري جميع شؤون حياته في واقع الأمر، وبالتالي يقتضي علاقات جديدة ومتحرّكة مع سائر أفراد المجتمع أو بين الحكومات في المجتمعات البشرية، وهذه الحقيقة جعلت الفقه في مواجهة ظاهرتين جديدتين:

الظاهرة الأولى: الموضوعات التي لم تكن في الماضي، من قبيل العملة الورقية، لأنّ هذه العملة لم يكن لها وجود في السابق حيث كانت المعاملات وأشكال البيع والشراء تجري في السابق عادة بنقود الذهب والفضة، ولكنّ المتغيّرات التي برزت في المجتمعات البشرية والتي أفرزها التطوّر الحضاري وزيادة وتنوّع حاجات الإنسان تسبّبت في ظهور هذه العملة الجديدة وهي العملة الورقية.

الظاهرة الثانية: الموضوعات التي كانت موجودة في السابق ولم يكن أصل الموضوع جديداً، ولكنّ تغيّر بعض الشروط والقيود والخصوصيات لهذا الموضوع جعلته يختلف عن السابق، وبرز وكأنّه موضوع جديد، مثلًا كما تقدّمت الإشارة إليه، أنّ أعضاء بدن الإنسان ودمه لم تكن لها قيمة مالية في السابق. ولكنّ الكشوفات الجديدة والتحوّلات التي حدثت في علم الطبّ أبرزت لها منافع كثيرة لم تكن في السابق، حيث تمّ اكتشاف منفعة كبيرة في الدم وحتّى أعضاء بدن الميّت وما إلى ذلك، بحيث صارت لهذه الموضوعات قيمة مالية واعتبار كبير إلى حدّ أنّها تباع وتشترى في هذا العصر- كما هو الحال في سائر البضائع- بأسعار باهضة، ومن هنا وجب على الفقيه البحث عن الحكم الشرعي لهاتين الظاهرتين اللتين أفرزهما التطوّر العلميّ والتقدّم الحضاري الدائم في عالم الطبيعة والعلم، وذلك من خلال الرجوع إلى المصادر والمنابع‌