ينحصر باللَّه تبارك وتعالى، وعندما يرد في الروايات المعتبرة أنّ رسول اللَّه
صلى الله عليه و آله شرّع بعض الأحكام في موارد معيّنة، فذلك أيضاً بإذن اللَّه.
2. أصل أبديّة الأحكام: وهذا الأصل
يبتني على ما ورد في الحديث الشريف:
«حَلالُ محمّدٍ حلالٌ إلى يومِ
القِيامةِ وحَرامُه حَرامٌ إلى يومِ القيامة» [1]
وطبقاً لهذا الأصل فإنّه لا يمكن أن يتغيّر حكم من الأحكام مع وجود موضوعه.
3. أصل عدم خلوّ الواقعة من الحكم: وهذا
الأصل هو ما تقدّم من عدم الفراغ القانوني في الإسلام [2].
وطبقاً لهذه الأصول الثلاثة، فإنّ المشرّع للأحكام هو اللَّه تعالى، وأنّ جميع
الوقائع والحوادث والمسائل المستحدثة وغير المستحدثة لها حكم شرعيّ، وهذه الأحكام
أبديّة.
وبما أنّ الأحكام تدور مدار المصالح والمفاسد ولكلّ حكم ملاك ومناط خاصّ،
ويسمّى بشكل عام المصلحة أو المفسدة، وبشكل خاصّ يندرج ضمن عناوين معيّنة من قبيل:
الصلاة معراج المؤمن، كون الخمر مسكراً، وكون القمار مَيْسراً وغير ذلك، ومن هنا
يمكن القول أنّ ثبوت الأحكام ينشأ من ثبوت ملاكاتها. وعليه فإنّ تأثير الزمان
والمكان إنّما يكون غالباً في الموضوعات، بأن يكون الموضوع أحياناً مصداقاً لملاك
معيّن، وأحياناً أخرى مصداقاً لملاك آخر. وبعبارة أخرى: إنّ الزمان والمكان بنظرة
دقيقة لا يعملان على تغيير الأحكام ولا تغيير الملاكات، بل يعملان على تغيير
الموضوعات، وهذا التغيير هو في الواقع تبديل الشيء من كونه مصداقاً لملاك معيّن
إلى ملاك آخر. وإن كان الزمان والمكان يؤثّران بحسب الظاهر في الأحكام والملاكات.
وببيان آخر: إنّ المساحة الحقيقية لتأثير الزمان والمكان هو الموضوعات، ولكنّ
المساحة الظاهرية للتأثير يمكن أن تشمل الأحكام والملاكات أيضاً، ولتوضيح هذا
الموضوع نستعرض هذه المساحة بالتفصيل:
1. تأثير الزمان والمكان في الموضوعات
الموضوع عبارة عن شخص أو شيء تتوقّف عليه فعليّة الحكم الشرعيّ؛ من قبيل
عنوان «المسكر» في حرمة شربالخمر، وعنوان «مستطيع» في وجوبالحج [3].
ومتعلّق هذه الأحكام كما يرى جميع الفقهاء، هو أفعال المكلّفين وما يراد من
العبد إنجازه وتحقيقه [4].
وبعد بيان هذه المقدّمة نشرع بذكر أنحاء تأثير الزمان والمكان في الموضوعات:
أ) تغيير المصداق
هناك أمثلة كثيرة بالنسبة لتغيير المصداق، منها:
1. إنّ موضوع وجوب الحجّ هو عنوان المستطيع؛ ولكن أن يكون الشخص مستطيعاً في
زمان خاصّ وبقدرات خاصّة ومحدودة، ولكنّه في زمان آخر لا يتحقّق فيه عنوان
الاستطاعة من حيث إنّه يقتضي ثراءً وقدرة مالية أكبر، وهكذا الكلام في خاصّية
المكان حيث يمكن أن تؤثر في تغيّر وتبدّل هذا العنوان.