اكتفائه بما فيه من المحاسن القليلة، و ترك ما هو أكثر من القبائح الكثيرة.
و الثّاني: كأن يدعو الكواكب السماوية و الجبال بالخضوع له و الملائكة بخدمته
و غير ذلك ممّا لا يليق به أصلا، أو يتمنّى له الحياة إلى أبد الآباد، أو يرجو له
دوام العزّ و الشرف، و غير ذلك من الأباطيل و الخيالات.
أمّا الأوّل، فلا شكّ في حرمته، لكونه كذبا، و لعلّه خارج عن محطّ كلامهم، و
لذا لم يستدلّ له شيخنا الأعظم قدّس سرّه بأدلّة حرمة الكذب مع أنّها أظهر من جميع
ما استند إليه في المسألة فيما ستعرف إن شاء اللّه.
و ينبغي أن يكون كذلك، لأنّ الظاهر أنّ عنوان البحث «المدح بما أنّه مدح» لا
بما أنّه كذب.
فتبقى الصورتان الأخيرتان هما المقصود الأصلي بالكلام، فنقول (و منه سبحانه
نستمدّ التوفيق و الهداية):
إنّه قد يترتّب عليهما عناوين محرّمة اخرى كترويج الباطل و إعانة الظالم و نشر
الفساد و شيوع الفاحشة، و تقوية المبدع في الدين، و تضعيف أهل الحقّ و الصلاح، و
غير ذلك من العناوين المحرّمة.
و ينبغي أن يكون هذا خارجا عن محلّ البحث أيضا، فإنّ العناوين الطارئة التي
نسبتها مع ما هو محلّ الكلام عموم من وجه غالبا لا أثر له فيما نحن بصدده، بل
قلّما يكون عنوان محلّل خاليا منها.
و أمّا إذا لم يترتّب عليها شيء من ذلك فأقصى ما يمكن الاستدلال به لحرمته
امور:
1- قوله تعالى: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى
الَّذِينَ ظَلَمُوا ...[1].
و من الواضح أنّه لا يكون المدح ركونا دائما، و كونه كذلك أحيانا لا يكفي في
مقام الاستدلال، فهو أخصّ من المدّعي من وجه.
2- ما ورد من الإعراض عن اللغو و الاجتناب عن قول الزور.
و فيه: إنّ اللغو بمعنى مطلق أي ما لا غرض عقلائي فيه لا دليل على حرمته، بل
السيرة