وصار الإنسان عاجزاً عن الإطّلاع الكامل والتعمّق والإحاطة الكاملة إلاّ بجزءٍ محدودٍ منها . وقد عرف العصر الحديث عدّة أنواع مختلفة من الموسوعات ، فمنها ما يلمّ بنتائج العلوم والفنون ، ويعرض مجمل المعرفة والثقافة البشرية لجُمهور القرّاء والمثقّفين ولا يوغل في تتبّع دقائقها وتفاصيلها، ومنها ما يختصّ بطائفة معيّنة من العلوم أو الفنون المترابطة فيما بينها ، ومنها ما يركّز على فرع واحد من فروع المعرفة فيتضمّن خلاصة ما حوته البحوث والدراسات المفصّلة في ذلك الفرع .
وفي جميع الحالات يتم عرض المعلومات في الموسوعات باُسلوب واضح مبسّط وطريقة سلسلة خالية من التعقيد من خلال كلمات عنوانية تكون بمثابة رؤوس للموضوعات التي تحتويها الموسوعة ، ويتخذ منها القارئ مداخل ومفاتيح للمعلومات التي يريد الوصول إليها .
ويتّضح ممّا سبق أنّ ما تعورف عليه هو أنّ الموسوعة أيّاً كان نوعها، وأيّاً كان العلم الذي تختصّ به، لا تقدّم جديداً في المعرفة ، وليس فيها إضافة أو إبداع من حيث المضمون والمادة العلمية ، ولذلك لا يكاد يلمس المطالع فيها أي مجال للاجتهاد والآراء المستحدثة والأفكار المستجدة وأيضاً لا يحسّ القارىء بالابتكار والرأي الشخصي ، ولا تشكّل معرضاً للدراسات والمناقشات ، بل تقتصر وظيفتها على عرض ما هو ناجز ومتحقق بالفعل من نظريات وأفكار علمية ، وصياغتها وترتيبها على نحو يسهل معه استرجاعها على غير المختص ، ولا يعاني المراجع من أية صعوبة في فهم المطالب المودعة فيها .
وثمّة أمر تجدر الإشارة إليه ، هو أنّ كثيراً من هذه الموسوعات لم تُؤلّف وتجمع من قِبل شخص واحد ، بل يساهم عادة في إعدادها وتدوينها مجموعة من ذوي الخبرة ، ولو أنّا نجد بعض هذه الموسوعات قد قامت بجهدٍ فردي ، وهذا وإن كان يدلّ على عبقرية وقابلية استثنائية إلاّ أنّ العمل الموسوعي الذي يبتني على الجهد المؤسّسي والمشاركة الجماعية