والثالث
: ما فصّله
العلّامة قائلا في المنتهى : « لو وجب نزح عدد معيّن ، فنزح الدلو الأوّل ثمّ صبّ
فيها ، فالّذي أقوله تفريعا على القول بالتنجيس : أنّه لا يجب نزح ما زاد على
العدد عملا بالأصل ، ولأنّه لم تزد النجاسة بالنزح والإلقاء ، وكذا إذا القي الدلو
الأوسط ، أمّا لو القي الدلو الأخير بعد انفصاله عنها ، فالوجه دخوله تحت النجاسة
الّتي لم يرد فيها نصّ ، وكذا لو رمى الدلو الأوّل في بئر طاهرة الحق بغير المنصوص
» [١]. انتهى ، وهذا القول بظاهر القواعد لا يخلو عن قوّة ، ففيما عدا الدلو
الأخير ـ ولا سيّما الدلو الأوّل وما يقرب منه ـ لا دليل على وجوب الزيادة على ما
في الذمّة أوّلا من تمام العدد ، كما في الدلو الأوّل أو ما بقي منه كما في غيره ،
ودخوله في غير المنصوص إن اريد به في الاسم فقط فهو مسلّم ، لكنّه غير مجد في
التزام أمر زائد.
وإن اريد به في
الحكم أيضا ، فهو إنّما يسلّم إذا اقتضى انفعالا آخر في الماء غير ما هو حاصل قبل
انصبابه ، وهو ـ مع كون نجاسته أثرا من الأثر الثابت أوّلا ـ في حيّز المنع ،
فيدفع احتماله بالأصل ، وكونه مشمولا لعموم أدلّة الانفعال ممنوع ، لظهور الأدلّة
في ملاقاة نجس أو متنجّس محلّا طاهرا ، ولا ريب أنّ هذه الصغرى منتفية هنا.
نعم ، هذا
الكلام متّجه في الدلو الأخير بعد انفصاله عن المحلّ الموجب لطهارته ، فإنّه بعد
الانصباب داخل في الصغرى المذكورة ، فيترتّب عليها الكبرى وهي انفعال المحلّ ثانيا
، ولمّا لم يرد بالنسبة إليه نصّ بالخصوص فيلحقه حكم غير المنصوص.
لكن المتعيّن
في نزحه هنا في بادئ النظر ما صار إليه صاحب المعالم [٢] ـ على ما حكي
عنه ـ من الاكتفاء بنزح أقلّ الأمرين من مقدّر النجاسة المقتضية للنزح ومنزوح غير
المنصوص حسبما يترجّح فيه ، ولمّا ثبت أنّ الأرجح عندنا في ذلك نزح الجميع
فالمتعيّن حينئذ نزح المقدّر ، للقطع بأنّ نجاسته فرع من هذا الأصل ، وأنّها أضعف
منها بمراتب ، فلا يزيد حكمها على حكم الأصل.
وإلى ذلك يرجع
الأولويّة الّتي ادّعاها في المعالم [٣] لصورة الاكتفاء بالمقدّر ، والمناقشة فيها بمنع
الأوّليّة ـ كما في كلام الخوانساري شارح الدروس ـ [٤] لا يلتفت
إليها.