وعن الثاني :
بأنّ المفروض أنّ ماء كانت نجسة [١] ، ولم يعلم لها مزيل فيستصحب نجاستها ، وبه ينجّس كلّما
ينبع من الماء.
ولا يخفى ضعف
الجوابين ، وإن كان منع كون المقتضي للطهارة ذهاب الماء في محلّه ، فإنّ نجاسة أرض
البئر لا قاضي بها إلّا الاستصحاب ، وكون النجاسة المستصحبة منجّسة غير مسلّمة
لمكان كونها ظاهريّة.
ومع الغضّ عن
ذلك ، فكما يحتمل تنجّس الماء المتجدّد بأرض البئر كذلك يحتمل تطهّر الأرض بذلك
الماء فيحكم على الماء بالطهارة شرعا ، مع توجّه المنع إلى انفعاله على فرض كون
النجاسة في الأرض يقينيّة لعدم الدليل عليه.
وتوهّم شمول
أدلّة انفعال البئر له في محلّ المنع ، لعدم كون النابع حال نبعه ممّا يصدق عليه
ماء البئر ، بل لا يبعد صدق الجاري عليه حينئذ ، كما يرشد إليه ما تقدّم في بعض ما
يتعلّق من الكلام بصحيحة ابن بزيع من استظهار كون المطهّر لماء البئر في الحقيقة
هو الماء المتجدّد والنزح مقدّمة لتجدّده ، وهو لا يلائم كونه مشمولا لأدلّة
الانفعال ، مع أنّه لا حاجة لنا إلى إثبات هذه الدعوى بعد قيام منع كونه حال النبع
من ماء البئر ، فإنّه يوجب اندراجه تحت الأصل العامّ المقتضي لطهارة كلّ ماء مشكوك
في حاله ، وطهارته شرعا يستلزم تطهّر الأرض أيضا ، وعلى فرض عدم الاستلزام فبقاؤها
على النجاسة مع الحكم على الماء بالطهارة الموجبة لعدم وجوب النزح غير قادح ـ ولو
بعد دخول الماء ـ في صدق ماء البئر ، لمكان كون النجاسة المفروضة استصحابيّة فلا
تندرج في أدلّة الانفعال ، لمكان ظهورها في عين النجاسة لا فيما هو بحكمها ،
فالقول بأنّها توجب نجاسة الماء المتجدّد في غاية الضعف. وأضعف منه ما قيل
بالنجاسة فيما لو طهرت أرض البئر بعد الغور بالشمس أو بالمطر ، تعليلا : بأنّ غور
الماء النجس قد أوجب تنجّس عمق الأرض فينجّس الماء بوصوله إليه ، إلّا إذا طهر
[١] كذا في الأصل ،
وفي مشارق الشموس هكذا : « وأمّا الثاني : فلأنّ تعلّق النزح بمائها لا دخل له في
المقام ، إذ الكلام في أنّ أرض البئر كانت نجسة ولم يعلم لها مزيل ، إذ ما علم من
الشرع أنّه مزيل لها إنّما هو النزح وقياس الغور عليه قياس مع الفارق كما ذكرناه ،
فيستصحب نجاستها ، فكلّما ينبع منها الماء يصير نجسا الخ ».