فانحصر المحتملات على أنحاء ثلاثة: أمّا الأوّلان فعدم جريان الاستصحاب فيهما ظاهر؛ لفقد الحالة السابقة فيهما، فأيّ زمان كانت المرأة غير قرشيّة، أو التي ليست بقرشيّة؛ حتّى يحكم ببقاء ذلك؟! و أيّ زمان كان غير القرشيّة موجوداً يقيناً حتّى يستصحب؟! و أمّا الأخير و هو السالبة مع وجود الموضوع، فأيضاً لا يجري فيه الاستصحاب؛ و ذلك لأنّ القضيّة المتيقّنة ليست سالبة مع وجود الموضوع، فإنّه أيّ زمان كانت المرأة موجودة و لم تكن قرشيّة؟ بل هي سالبة بسلب الموضوع، و القضيّة المشكوكة سالبة مع فرض وجود الموضوع، فالقضيّتان متغايرتان، فلا يجري فيهما الاستصحاب، و لو قيل بجريان استصحاب الأعمّ لا يمكن إثبات الأخصّ به إلّا على القول بالأصل المثبت، فالاستصحاب في هذا القسم: إمّا غير جارٍ، أو مثبت [1].
[1] أقول: هذا لو كانت القضيّة المتيقّنة قضيّة سلبيّة بسلب الموضوع، و هي «المرأة لم تكن بقرشيّة»، و المفروض أنّها لم تكن فلم تكن قرشيّة، لكن إذا شكّلنا قضيّة سالبة موضوعها المرأة الموجودة بالفعل فتتّحد القضيّتان.
و الحاصل: أنّه لا فاصل بين الوجود و العدم، فلو لم يمكن لنا أن نقول: «هذه المرأة الموجودة كانت متّصفة بالقرشيّة»، فلا محالة يصحّ لنا أن نقول: «هذه المرأة الموجودة بالفعل لم تكن قرشيّة سابقاً»، فالآن أيضاً ليست بقرشيّة.
و لا يتوهّم: أنّ عدم كون هذه المرأة قرشيّة سابقاً من باب عدم الموضوع، فإنّ هذا هو منشأ السلب، و إلّا فأركان الاستصحاب تامّة على ما ذكرنا. نعم، على ما أفاده دام ظلّه من أنّ القضيّة المتيقّنة عدم الموضوع دخيل فيها، و به تنهدم الأركان.
و كنّا نورد على السيّد الأُستاذ مدّ ظلّه هذا الإشكال سابقاً، إلّا أنّ فيه غفلة عن نكتة: و هي أنّ القضيّة السابقة و هي «هذه ما كانت قرشيّة سابقاً» قضيّة موجبة سالبة المحمول، و القضيّة اللاحقة و هي «هذه ليست بقرشيّة فعلًا» قضيّة سالبة، فاختلفت القضيّتان، و لو قيل بغير ذلك يعود المحذور المذكور في كلام الأُستاذ مدّ ظله، فتدبّر جيّداً. المقرّر حفظه اللَّه.