الأمر الذي حدا بهما إلى حوار علمي منظم يهدي إلى الحق وياخذ بأيديهما وأيدي القراء الى المنهج الأسلامي السليم وهو ما سنبسطه للقارئ في صدر هذه العجالة.
ومن عادة المتناظرين ـ أيضاً ـ أن يهدفا إلى الأسلوب العلمي وحده ليصلا إلى الحقيقة من أقرب طريق، ولكن صاحبينا الجليلين مزجا بين الأسلوبين العلمي والأدبي، فكان حوارهما دائرة معارف واسعة يستلهم منها القارئ حقائق المذهبين السني والشيعي كما يستلهم منهما أفضل ما عرف من الأساليب الأدبية في مستهل القرن ـ الرابع عشر ـ وذلك ما جعل من هذا الكتاب حقلاً واسعاً وروضة فيحاء يجد فيها القراء كل ما يروقهم من ثمار للعلم وفوائد الأدب ويجعل من الكتاب ركنا ركينا في مكتبتنا الأسلامية ومكتبتنا العربية.
وقد استغرق هذا الحوار القيم مائة واثنتي عشرة حلقة جرت بين هذين العالمين الجليلين وكان ذلك في اوائل القرن الرابع عشر الهجري في المدة ما بين «ذي القعدة 1329 هـ، وجمادي الأولى 1333 هـ».
وقيمة هذا الكتاب تتجلى أكثر ما تتجلى في الظروف التي ظهر فيها حين خرج الى النور يقرأه السني والشيعي، ذلك أن هذا الكتاب خرج به مؤلفه في اوائل القرن الرابع عشر خلال العقدين الثالث والرابع، في فترة عصيبة كان فيها المستعمر يعبث بمقدرات الأمة العربية ولم يجد طريقا الى تحقيق رغباته الدنيئة إلا ببث الفرقة بين المسلمين واستغلاله هذه الخلافات المذهبية من أجل تحطيم صرح العروبة والأسلام. وقد بلغ التصدع مبلغه في اوائل هذا القرن. وقد كانت له جذور عميقة منذ العصر الأموي حين افترق المسلمون في اواسط القرن الاول الى معسكرين، المعسكر الأول بقيادة يزيد بن معاوية، والمعسكر الثاني بقيادة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)، وقد استفحل الخلاف بين المعسكرين حين استشهد الحسين (عليه السلام) في موقعة كربلاء، وظل الخلاف بين المعسكرين طوال العصرين الاموي والعباسي يدور حول الحياة السياسية ونظام الحكم ولا يكاد يمس العقيدة الا في القليل. ولم يكن من رجال الفريقين من يجرؤ على تكفير صاحبه إلا نادراً.
فلما انقضى العصر العباسي بغلبة المغول على دار الخلافة استحالت هذه الخلافات السياسية الى خلافات مذهبية تمس الفروع وتتناول قضايا الفقه الأسلامي المستمد من القرآن والسنة، وعلى الرغم من أن التشريع الأسلامي