و حيث انّه لا فائدة للتعرّض لمعناها صرفنا الكلام عن معناها الى
بيان أقسامها و أحكامها المترتّبة عليها. و قبل الخوض في ذلك لا بدّ من تقديم
البحث عن المياه و أقسامها لتوقّف الطهارة على فهم أقسامها و أحكامها.
(المبحث الأوّل في المياه و أقسامها)
اعلم أن الماء كلّه طاهر و مطهّر من الحدث و الخبث في الجملة إجماعا
بل كونه في الجملة مطهّرا للحدث و الخبث من ضروريّات الإسلام. و ماهية الماء ظاهرة
عند العرف في أيّ لغة كان و لكن مفهومه غير ظاهر غاية الظهور بحيث لا تبقى له
مصاديق مشتبهة أصلا و لذا ترى العرف يشكّون في صدق الماء على الماء الممزوج بشيء
من السكّر أو الملح و كذا الماء الخارج من عين مالحة و أنّه هل هو ماء مالح أو هو
ماء الملح.
و الحاصل أنّ مفهوم الماء كأغلب المفاهيم له مصاديق مشتبهة و ليس له
مفهوم مبيّن عرفي بحيث لا يشك العرف في شيء من مصاديقه و حينئذ لا بدّ في كلّ
مورد مشتبه من الرجوع الى الأصل الجاري في ذلك المورد ففي المثالين المتقدّمين
يرجع في المثال الأوّل منهما إلى أصالة بقاء المائية ليحكم بارتفاع الحدث أو الخبث
به و في الثاني منهما يرجع الى أصالة بقاء الحدث أو الخبث إذا استعمل في رفع أحدهما
لكن أصالة الطهارة جارية في الماء المذكور إن استعمل في رفع الخبث هذا كلّه في
الشبهة المفهومية.
و أمّا الشبهات المصداقيّة بأن كان مفهوم الماء مبيّنا عنده و مفهوم
الجلّاب ايضا مبيّنا و لكن شكّ في مورد أنّه ماء و جلّاب فإنّه تجري فيه أصالة
الطهارة إذا لاقى النجس و لكن لا يرتفع به الحدث أو الخبث.
أمّا الدليل على كون الماء مطهّرا- مضافا الى دعوى الإجماع و الضرورة
أمّا من الكتاب فآيات منها قوله تعالى (وَ أَنْزَلْنا
مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً)[1] فانّ الطهور و إن كان مبالغة في الطاهر الّا أنّ بعض أهل اللغة قد
فسّره بالمطهّر لغيره و وافقه على ذلك جميع الفقهاء