كيفية معاملته (صلى الله عليه و سلم) مع كفار زمانه
من استعمال الشدة في وقتها و العطف و المجاملة في إبانها و مناسبتها زيادة على ما سبق.
عن ابن تيمية: كان (عليه السلام) في أول أمره يتحمل أذاهم، و يصبر على بلواهم حتى أذن اللّه له بالقتال، لاثني عشر ليلة مضت من صفر في السنة الثالثة من الهجرة، قال الزهري:
أول آية نزلت في الأذن بالقتال أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج: 39] خرّجه النسائي بإسناد صحيح، قال أبو حيان في البحر: و المأذون فيه في الآية محذوف؛ أي في القتال لدلالة الذين يقاتلون عليه، و علل بأنهم: ظلموا. كانوا يأتون من بين مضروب و مشجوج فيقول لهم: اصبروا، فإني لم أومر بقتال، حتى هاجر فأذن له بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف و سبعين آية، و قال غيره: و إنما شرع اللّه الجهاد في الوقت الأليق، لأنهم كانوا بمكة، و كان المشركون أكثر عددا فلو أمر المسلمين و هم قليل بقتال الباغين لشق عليهم، فلما نفر المشركون و أخرجوه (عليه السلام) من بين أظهرهم، و هموا بقتله و استقر (عليه السلام) بالمدينة، و اجتمع عليه أصحابه و قاموا بنصره، و صارت المدينة دار إسلام، و معقلا يلجئون إليه، شرع اللّه الجهاد فبعث (عليه السلام) البعوث و السرايا و غزا بنفسه و قاتل هو و أصحابه، و كان عدد مغازيه التي خرج فيها بنفسه (عليه السلام) سبعا و عشرين، كما قاله أئمة المغازي، و جزم به ابن الجوزي و الدمياطي و العراقي و غيرهم، و قيل غير ذلك.
قال ابن تيمية: و لا يعلم أنه (عليه السلام) قاتل في غزاة إلا في أحد، و لم يقتل أحدا إلا أبي بن خلف فيها، فلا يفهم من قولهم: قاتل كذا أنه بنفسه، كما فهمه بعض الطلبة ممن لا اطلاع له على أحواله (عليه السلام) ا ه.
قال في النور: قد يرد على ابن تيمية حديث: كنا إذا التقينا كتيبة أو جيشا أول من يضرب رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم)، و يمكن تأويله، و كانت سراياه (عليه السلام) التي بعث فيها سبعا و أربعين سرية. قال الشامي: الذي وقفت عليه في السرايا و البعوث يزيد على السبعين، و قال الحافظ: قرأت بخط مغلطاي: أن مجموع الغزوات و السرايا مائة، و هو كما قال ا ه.
و قد جرت عادة المحدثين و أرباب السير أن يسموا كل عسكر حضره (عليه السلام) بنفسه الكريمة غزوة، و ما لم يحضره بل أرسل بعضا من أصحابه إلى العدو سرية و بعثا، و في حال جريان الأعمال الحربية مجراها أو السلم و الصلح أو الهدنة، كان (عليه السلام) يتألف كبار المشركين و الكفار، و يلين لهم القول و يظهر لهم إذا قدموا عليه مزيد الاعتبار استيلافا لهم و ليعرفوا خلقه، و ناهيك بقصة (عبس و تولّى) المتقدمة، و في بدائع الفوائد للحافظ ابن القيم:
أن الإمام أحمد سئل هل يكني الرجل أهل الذمة فقال: قد كنى النبي (صلى الله عليه و سلم) أسقف نجران،
نام کتاب : نظام الحكومة النبوية نویسنده : الكتاني، عبد الحي جلد : 1 صفحه : 306