نام کتاب : ميراثان في كتاب الله (العُجب) نویسنده : الآصفي، الشيخ محمد مهدي جلد : 1 صفحه : 12
اتخذتهم الفراعنة عبيداً ، فساموهم سوء العذاب ، وجرّعوهم المرارَ ، فلم تبرح الحال بهم من ذلّ الهَلَكة ، وقهر الغلبة ، لا يجدون حِيلة في امتناع ، ولا سبيلاً إلى دفاع ) . [1]
وهذه هي مرحلة الابتلاء والتمحيص التي تهيّئ الأمّة للصلاح والاستقامة ، ولا بدّ لكل استقامةٍ وصلاحٍ في حياة الأُمم من المرور بمرحلةٍ من الابتلاء والتمحيص ، الذي يُعدّ الأمّة للاستقامة والعودة إلى الله تعالى .
ولم نتحدّث نحن عن هذه المرحلة من رسم دورة التاريخ في هذا الحديث ، كما لم نتحدّث نحن عن مرحلة الاستدراج بصورة مستقلة .
ثمّ يقول (عليه السلام) :
( حتّى إذا رأى الله جِدّ الصبر منهم على الأذى في محبّته ، والاحتمال للمكروه من خوفه ، جعل لهم من مضائق البلاء فرجاً ، فأبدلهم العزّ مكان الذلّ ، والأمن مكان الخوف ، فصاروا مُلوكاً حكّاماً ، أئمّة أعلاماً ، قد بلغت الكرامة من الله لهم ما لم تبلغ الآمال بهم .
فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأمْلاء مجتمعة ، والأهواء متفقة ، والقلوب معتدلة ، والأيدي مترادفة ، والسيوف متناصِرة ، والبصائر نافذة ، والعزائم واجدة ، ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضين ، وملوكاً على رقاب العالمين ؟! ) . [2]
وهذه هي المرحلة الأُولى من الدورة الحضارية للتاريخ ، مرحلة ولادة الحضارة الإلهية ونشوئها .
ثمّ يحدثنا الإمام عن المرحلة الثانية : حيث يبدأ الفساد يدبّ في جسم هذه الحضارة وتنخر هذه الحضارة من الداخل ، وتتحوّل نِعم الله تعالى من جسور للارتباط بالله تعالى إلى حُجب وحواجز تحجب الإنسان وتحجزه عن الله ، فيلهو باللعب واللهو والسُّكْر ، وينسى نفسه ، وتتحكّم فيهم الأهواء ، ويكثر فيهم الخلاف ،