فقلت: بل أنتم و اللّه لأحرص و أبعد، و أنا أخصّ و أقرب!و إنّما طلبت حقّا لي و أنتم تحولون بيني و بينه، و تضربون وجهي دونه فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين هبّ كأنّه[بهت]لا يدري ما يجيبني به! اللّهمّ إنّي أستعينك على قريش و من أعانهم؛ فإنهم قطعوا رحمي، و صغّروا عظيم منزلتي، و أجمعوا على منازعتي أمرا هو لي؛ ثمّ قالوا: ألا إنّ [في]الحقّ أن تأخذه و في الحقّ أن تتركه [9] .
و قال في خطبة اخرى:
«اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش و من أعانهم فإنّهم قطعوا رحمي
قو التركاض: مبالغة في الركض، و استعاره لسرعة خواطرهم في الضلال، و كذلك التجوال من الجول و الجولان، و الشقاق: الخلاف، و جماحهم: استعصاؤهم على سابق الحقّ، و التيه: الضلال و الغواية.
الجوازي: جمع جازية بمعنى المكافأة، دعاء عليهم بالجزاء على أعمالهم.
[9] نهج البلاغة، شرح محمد عبده، الخطبة: 167. و طبعة بيروت للدكتور صبحي الصالح، الخطبة:
172.
و ضرب الوجه: كناية عن الرد و المنع، و «قرعته بالحجّة» : من «قرعه بالعصا» ضربه بها، و هبّ: من هبب التيس-أي: صياحه-أي: كان يتكلم بالمهمل مع سرعة حمل عليها الغضب كأنّه مخبول لا يدري ما يقول.
و أستعينك: أستنصرك و أطلب منك المعونة، و يروى في مكانه «أستعديك» أي: أطلب منك أن تعديني عليهم و أن تنتصف لي منهم.
و «ثم قالوا-الخ» أي: إنهم اعترفوا بفضله، و أنه أجدرهم بالقيام به ففي الحقّ أن يأخذه، ثم لما اختار المقدم في الشورى غيره عقدوا له الأمر، و قالوا للإمام: في الحقّ أن تتركه، فتناقض حكمهم بالحقية في القضيتين، و لا يكون الحقّ في الأخذ إلاّ لمن توافرت فيه شروطه.
و «حرمة رسول اللّه» كناية عن زوجته، و أراد بها أمّ المؤمنين عائشة.