نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع جلد : 1 صفحه : 197
يغرن و لا يهريق دما و لا يأكل لحما و لا يظلم طرفة عين فخاصمته تلك السّباع و قلن: لا نرضى بسيرتك و لا رأيك الذي أنت عليه من تزهّدك مع أنّ تزهّدك لا يغني عنك شيئا، و أنت لا تستطيع أن تكون إلاّ كأحدنا تسعى معنا و تفعل فعلنا. فما الّذي كفّك عن الدّماء و عن أكل اللّحم؟قال ابن آوى: إنّ صحبتي إيّاكنّ لا تؤثّمني [1] إذا لم أؤثّم نفسي لأنّ الآثام ليست من قبل الأماكن و الأصحاب، و لكنّها من قبل القلوب و الأعمال، و لو كان صاحب المكان الصّالح يكون عمله فيه صالحا، و صاحب المكان السيّئ يكون عمله فيه سيّئا كان حينئذ من قتل النّاسك في محرابه لم يأثم، و من استحياه [2] في معركة القتال أثم. و إنّي إنّما صحبتكنّ بنفسي و لم أصحبكنّ بقلبي و أعمالي لأني أعرف ثمرة الأعمال فلزمت حالي.
و ثبت ابن آوى على حاله تلك و اشتهر بالنّسك و التّزهّد حتّى بلغ ذلك أسدا كان ملك تلك الناحية، فرغب فيه لما بلغه عنه من العفاف و النّزاهة و الأمانة فأرسل إليه يستدعيه، فلمّا حضر كلّمه و آنسه، ثمّ دعاه بعد أيّام إلى صحبته و قال له: تعلم أنّ عمّالي كثير و أعواني جمّ غفير [3] و أنا مع ذلك إلى الأعوان محتاج، و قد بلغني عنك عفاف فازددت فيك رغبة، و أنا مولّيك من عملي جسيما و رافعك إلى منزلة شريفة و جاعلك من خاصّتي. قال ابن آوى: إنّ الملوك أحقّاء [4] باختيار الأعوان فيما يهتمّون به من أعمالهم و أمورهم و هم أحرى أن لا يكرهوا على ذلك أحدا، فإنّ المكره لا يستطيع المبالغة في العمل، و إنّي لعمل السّلطان كاره و ليس لي به تجربة و لا بالسّلطان رفق، و أنت ملك السّباع و عندك من أجناس الوحوش عدد كثير فيهم أهل نبل و قوّة و لهم على العمل حرص، و عندهم به و بالسّلطان رفق، فإن استعملتهم أغنوا عنك