فيحصل تغيّر بسيط آخر ، وهكذا تتولّد الميزات بطريقة ميكانيكية ، وتواصل وجودها في الأبناء عن طريق الوراثة وهي ساكنة ثابتة ، وحين تتجمّع يتكوّن منها أخيراً الشكل الأرقى للنوع الجديد .
وهناك ـ أيضاً ـ فرق كبير بين قانون تنازع البقاء في نظرية داروين ، وفكرة الصراع بين الأضداد في الديالكتيك ؛ فإنّ فكرة الصراع بين الأضداد عند الديالكتيكيين تعبّر عن صراع بين ضدّين يسفر في النهاية عن توحّدهما في مركّب أعلى وفقاً لثالوث الاُطروحة والطباق والتركيب . ففي صراع الطبقات ـ مثلاً ـ تشبّ المعركة بين الضدّين في المحتوى الداخلي للمجتمع ، وهما الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة ، وينتهي الصراع بامتصاص الطبقة العاملة للطبقة الرأسمالية ، وتوحّد الطبقتين معاً في مجتمع لا طبقي ، كلّ أفراده يملكون ويعملون .
وأمّا تنازع البقاء والصراع بين القوي والضعيف في نظرية داروين ، فهو ليس صراعاً ديالكتيكياً ؛ لأنّه لا يسفر عن توحّد الأضداد في مركّب أرقى ، وإنّما يؤدّي إلى إفناء أحد الضدّين والاحتفاظ بالآخر ، فهو يزيل الضعاف من أفراد النوع إزالة نهائية ويبقى الأقوياء ، ولا ينتج مركّباً جديداً يتوحّد فيه الضعفاء والأقوياء ، الضدّان المتصارعان كما يفترض الديالكتيك في ثالوث الأُطروحة والطباق والتركيب .
وإذا طرحنا فكرة تنازع البقاء أو قانون الانتخاب الطبيعي بوصفها تفسيراً لتطوّر الأنواع ، واستبدلناها بفكرة الصراع بين الحيوان والبيئة الذي يكيّف الجهاز العضوي وفقاً لشروط البيئة ، وقلنا : إنّ الصراع بين الحيوان والبيئة ـ بدلاً عن الصراع بين القوي والضعيف ـ هو رصيد التطوّر كما قرّره (روجيه غارودي) [1] ، أقول : إذا طوّرنا النظرية وفسَّرنا تطوّر الأنواع في ضوء الصراع بين البيئة