كنّا ندرس في المسألة السابقة المصادر الأساسية للمعرفة أو للإدراك البشري بصورة عامّة ، والآن نتناول المعرفة من ناحية أخرى ؛ لنحدِّد قيمتها الموضوعية ومدى إمكان كشفها عن الحقيقة ، فإنّ الطريق الوحيد الذي تملكه الإنسانية لاستكناه الحقائق والكشف عن أسرار العالم هو : مجموعة العلوم والمعارف التي لديها ، فيجب أن نتساءل قبل كلّ شيء عمّا إذا كان هذا الطريق موصلاً حقّاً إلى الهدف ، وعمّا إذا كانت الإنسانية قادرة على الوصول إلى واقع موضوعي بما تملك من معارف وطاقات فكرية .
والفلسفة الماركسية تؤمن في هذه المسألة بإمكان معرفة العالم ، وبطاقة الفكر البشري على الكشف عن الحقائق الموضوعية ، وترفض الشكّ والسفسطة :
(خلافاً للمثالية التي تنكر إمكان معرفة العالم وقوانينه ، ولا تؤمن بقيمة معارفنا ، ولا تعترف بالحقيقة الموضوعية ، وتعتبر أنّ العالم مملوء بأشياء قائمة بذاتها ، ولن يتوصَّل العلم أبداً إلى معرفتها ، تقومُ المادّية الفلسفية الماركسية على المبدأ القائل : إنّه من الممكن تماماً معرفة العالم وقوانينه ، وإنّ معرفتنا لقوانين الطبيعة ـ تلك المعرفة