نهّاز أذنبة الكلام إذا هفا # قلب الجريء وعيّ قول المصقع [2]
قد قلت للمتعرضين لسطوه # خلّوا و جار الارقم المتطلّع [3]
و هذا فنّ جديد عند الشريف، فأكثر من وصفهم بالبلاغة كانوا من رجال السيف، أما عبد العزيز بن يوسف فلم يكن له من أدوات القتال غير القلم و اللسان، و قد وصف كلماته بأنها تفعل ما لا تفعل مشرعات الرماح، و انها تردّ الخيل المغيرة و عليها أقطاب الدارعين، و حدد مقامه بين مقامات الأبطال بهذا البيت:
إن لا تكن في الجمع أمضى طعنة # فلأنت أمضى خطبة في المجمع
و قد وصفه بالكيد، و ذلك وصف طريف، لأنه يفصح عن خصلة نادرة لا يجيدها إلا الاقلون، و الكيد سلاح عرفه الساسة من قديم الزمان و أنا لا أعرف من أصوله شيئا، و لكني سمعت انه يبني و يهدم و يبرم و ينقض. و الشريف يعني ما يقول و هو ينعت مبكيّة بالكيد في موقف لا تذكر فيه غير كرائم الخلال.
و قد قلت في كتاب النثر الفني: إن ما بين أيدينا من أخبار عبد العزيز بن يوسف و رسائله لا يعطينا صورة صحيحة عن نفسه و أخلاقه، فهل أستطيع اليوم أن أعتمد على حكم الشريف فأقول إن ذلك الكاتب كان من كبار الكائدين؟
[1] النصال و النصول جمع نصل و هو حديدة السهم و الرمح و السيف ما لم يكن له مقبض.
[2] الأذنبة جمع ذنوب بفتح فضم، و هو الدلو. و النهاز الذي يضرب بالدلو في الماء لتمتلىء.
و المقصع على وزن منبر البليغ او العالي الصوت أو من لا يرتج عليه و لا يتتعتع، و لعله جاء من الصقعاء و هي الشمس لما يمتاز به من الوضوح و الجلاء.
[3] الوجار بالكسر و الفتح الجحر. و الارقم: الحية. و هو أخبث الحيات. و المتطلع وصف كاشف للارقم لأنه يتطلع إلى إيذاء الناس و يبدأ بالعدوان.
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك، محمد جلد : 1 صفحه : 68