أحدهما: أنّ الاتحاد المذكور على فرض تسليمه إنّما يتّجه على القول بالملكة في العدالة، و أمّا على القولين الآخرين- من أنّها ظهور الإسلام و عدم ظهور الفسق، أو أنّها حسن الظاهر و ظهور الصلاح- فلا، لوضوح تغاير المعنى الشرعي حينئذ للمعنى اللغوي، إلّا أن يدفع ذلك بمنع كون الخلاف المذكور خلافا في معنى العدالة و إن كان هو المشهور في كلامهم، بل العدالة عند الكلّ عبارة عن الملكة المخصوصة، و الخلاف المشهور خلاف في الطريق الكاشف عنها، كما جزم به بعض مشايخنا [1].
و ثانيهما: ظهور الاستقامة و الاستواء في معنى العدالة على ما ذكره الأصحاب في الحسّيين منهما، و ليس شيء منهما في الإنسان حسيّا، فلا بدّ حينئذ من التزام النقل، و لا يكون إلّا شرعيّا، لكون المعنى المنقول إليه المغاير للمعنى اللغوي، ما من شأنه أن يؤخذ من الشارع، و قد أخذ منه أيضا، كما يرشد إليه الروايات الواردة لبيانه، و عليه فدعوى ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيه لا تخلو عن قوّة، لكون تمام حقيقة المعنى الشرعي لا يستعلم إلّا من جهة الأخبار و لا يهتدي إليه أكثر المتشرّعة و لا سيّما العوام و النسوان إلّا من جهة تقليدهم لعلمائهم، و العلماء أيضا لم يعرفوه إلّا من جهة الأخبار، و ما هذا شأنه لا يكون حقيقة متشرّعية، و لا حقيقة فقهائيّة.
و كيف كان فاختلف الأصحاب في معناها الشرعي على أقوال:
أحدها: ما هو المشهور بينهم من أنّها كيفيّة نفسانيّة ملازمة للتقوى فقط
أو هي مع المروّة على الخلاف الآتي في ذلك أيضا، و المراد بملازمة التقوى عدم ارتكاب الكبائر و عدم الإصرار على الصغائر، و لذا قد يعرّف بملكة نفسانيّة تبعث على ترك فعل الكبائر و الإصرار على الصغائر. و قد يعبّر عن الكيفيّة و الملكة بالهيئة، و قد يعبّر بالحالة، و الكلّ بمعنى.
[1] رسالة العدالة للشيخ الأنصاري (رسائل فقهية): 8- 10.