هذا كلّه في حقيقة التوبة، و الظاهر أنّها و الإنابة بمعنى، كما يظهر من كلام بعض أئمة اللغة، و قد يفرّق بينهما و بين الاستغفار بعد جعلها توجّهات و اقبالات إلى اللّه. فالتّوبة توجّه إليه من حيث إنّها رجوع إلى صراط اللّه المستقيم، و الاستغفار توجّه إليه لطلب العفو و المغفرة و الإنابة توجّه إليه بعد طلب العفو. و لم نجد له من الآيات و الأخبار شاهدا تاما وافيا بتمام هذا الفرق، كما أنّه لم نجد شاهدا- على ما قيل أيضا- من أنّ التوبة على ثلاثة أقسام: أوّلها التوبة و أوسطها الإنابة و آخرها الأوبة، فمن تاب من خوف العقوبة فهو صاحب التوبة، و من تاب طمعا للثّواب فهو صاحب الإنابة، و من تاب مراعاة للأمر لا لهما فهو صاحب الأوبة، و التوبة صفة المؤمنين، و الإنابة صفة الأولياء و المقربين، و الأوبة صفة الأنبياء.
و أمّا المرحلة الثانية: فحكم التوبة
هو الوجوب بالإجماع محصلا و منقولا في كلام جماعة منهم صاحب الذخيرة قائلا: الظاهر أنّ التوبة عن الذنب واجب اتّفاقا [1]. و عن شارح أصول الكافي دعوى إجماع الأمة عليه [2].
و لو لا الإجماع عليه لكفى من الكتاب قوله تعالى تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ[3] و قوله أيضا وَ تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[4].
و العقل أيضا قاض بوجوبه بناء على التحسين و التقبيح العقليّين، نظرا إلى أنّه دافع لضرر المعصية و هو العقوبة الأخروية. و عن أفضل المحقّقين في تجريده أنّه استدل عليه بأنه دافع للضّرر فيجب [6]. و عن شارح التجريد بناء على وجوبه على مذهب العدليّة.
و دليل كونه دافعا للضرر من الآيات و الروايات ما لا يحصى كثرة، و لقد