الغالبي المتيسّر الحصول لأكثر المكلفين بإحراز العدالة في حق أغلب الناس المحتاج إلى إثبات عدالتهم.
و هل المعتبر من الظنّ المطلق مطلقه و لو في أوّل درجات الرجحان أو الظنّ القوي البالغ حدّ الوثوق و الاطمئنان أو الظنّ القوي المتاخم للعلم؟ وجوه أوسطها أقواها، عملا بظاهر قوله (عليه السلام): «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و أمانته» و ما بمعناه، و قوله (عليه السلام): «إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» مع ما قيل: من أنّ دليل الانسداد- بناء على التمسّك به في المقام- إنّما يوجب العلم بالظنّ في الجملة، فيجب الاقتصار فيه على الظنّ القوي المعبّر عنه عرفا بالوثوق و الأمن [1].
و بجميع ما ذكر يندفع ما يقال: من أنّ إطلاقات الروايات تدلّ على اعتبار مطلق الظنّ، بناء على أنّ المتيقّن ممّا خرج من إطلاقها هو صورة عدم حصول الظنّ، فيبقى الباقي تحته، فإنّ الإطلاق المدعي بعد تسليمه- بناء على الإغماض عن دعوى انصرافه إلى صورة الوثوق- يخرج عنه بما دلّ على اعتبار الوثوق.
ثمَّ بقي
الكلام مع من حصر الطرق المثبتة للعدالة في المعاشرة و الشياع و الشهادة
، فإن أراد بذلك نفي اعتبار الظنّ مطلقا و أنّ المعتبر في إثبات العدالة هو العلم بالمعنى الأعم من العقلي و الشرعيّ و أنّ أسبابه منحصرة في الثلاثة فالشهادة علم شرعي، و ما عداها علم عقلي على معنى افادته إيّاه، تمسّكا بأنّ العدالة بمعنى الملكة النفسانيّة من الموضوعات الواقعية التي علّق عليها في الشرع أحكام كثيرة، و الأصل الأوّلي العقلي فيها لزوم إثباتها بطريق العلم و ما يقوم مقامه شرعا.
ففيه أوّلا: منع كون المعاشرة و الشياع مفيدين للعلم الحقيقي بالعدالة، لعسر الاطّلاع على المعاصي الباطنيّة، و عسر الاطّلاع على استناد ترك ما علم تركه من المعاصي إلى الخوف و الاستحياء من اللّه، و الشياع المفيد للعلم بالعدالة لا يتأتى إلّا إذا بلغ حد التسامع و التظافر بحيث كانت العدالة متسالما فيها بين الناس على
[1] رسالة العدالة للشيخ الأنصاري (رسائل فقهية): 64.