بأنّ أبا حسّان كبّت جفانه، # و أخمد نيران القرى يوم ودّعا
أعزّ على عيني من العين موضعا، # و ألطف في قلبي من القلب موقعا
أكنّ غليلي بالضّلوع، و لم أجد # لقلبي وراء الهمّ مذ غاب مطلعا
و فارقني مثل النّعيم مفارقا، # و ودّعني مثل الشّباب مودّعا
علا الوجد بي حتّى كأن لم أر الرّدى # يخطّ لجنب قبل جنبك مصرعا
لقد صغّر الأرزاء رزؤك قبلها، # و هوّن عندي النّازل المتوقّعا
فإن لم تزل نفسي عليك، فإنّها # ستنفد أنفاسا حرارا و أدمعا
فيا لائميّ اليوم لا صبر بعده، # فطيرا بأعباء الملامة أوقعا
برغمك أجممت الصّوارم و القنا، # و أخليت يوم الرّوع بيضا و أدرعا
و منتجع أرض العدوّ تخاله # جبال شرورى طلن ميثا و أجرعا [1]
إذا وردت أنقاع ماء وقيعة # أنشّت على أخراه بالماء أجمعا
إذا انقاد علويّا حسبت جياده # إكاما عليهنّ الأجادل وقّعا [2]
مطوت به حتّى استراث جماحه، # و جعجع بالبيداء حسرى و ظلّعا [3]
من القوم طاروا في الفلا كلّ طيرة، # و مدّوا إلى الأحساب بوعا و أذرعا
إذا لبسوا الرّيط اليماني، و أقبلوا # يجرّون منها الشّرعبيّ المضلّعا [4]
حسبت أسود الغاب رحن عشيّة، # تخال بهنّ البابليّ المشعشعا
صفاح خدود كالذّوابل طلقة، # يبادون بالظّلماء لحما مبضّعا
و أبيض من عليا معدّ سما به # إلى السّورة العليا أب غير أضرعا [5]
كأنّك تلقى وجهه البدر طالعا، # إذا ابتدر القوم الرّواق المرفّعا
فإن ألهبت فيه الحفيظة خلته # وراء اللّثام الأرقم المتطلّعا [6]
[1] شرورى: جبال لبني تميم-ميثا و أجرعا: مكانان.
[2] الأجادل: الصقور.
[3] مطوت به: أسرعت به-استراث جماحه: هدأه، جعله يتريث.
[4] الشرعبي: نوع من البرود.
[5] السورة: المنزلة-الأضرع: الذليل.
[6] الأرقم: الحيّة.