و لو شئت غنّتني الحمام عشيّة، # و لكنّني من ماء عينيّ أشرب
أقول إذا خاض السّميران في الدّجى # أحاديث تبدو طالعات و تغرب
ألا غنّياني بالحديث، فإنّني # رأيت ألذّ القول ما كان يطرب
غناء، إذا خاض المسامع لم يكن # أمينا على جلبابه المتجلبب
و نشوان من خمر النعاس ذعرته، # و طيف الكرى في العين يطفو و يرسب [1]
له مقلة يستنزل النّوم جفنها # إليه كما استرخى على النّجم هيدب [2]
سلكت فجاج الأرض غفلا و معلما # تجدّ بها ايدي المطايا و تلعب [3]
و ما شهوتي لوم الرّفيق، و إنّما # كما يلتقي في السّير ظلف و مخلب
عجبت لغيري كيف ساير نجمها، # و سيري فيها، يا ابنة القوم أعجب
أسير و سرجي بالنّجاد مقلّد، # و أثوي و بيتي بالعوالي مطنّب [4]
و مصقولة الأعطاف في جنباتها # مراح لأطراف العوالي و ملعب
تجرّ على متن الطّريق عجاجة، # يطارحها قرن من الشّمس أعضب [5]
نهار بلألاء السّيوف مفضّض؛ # و جوّ بحمراء الأنابيب مذهب
ترى اليوم محمرّ الخوافي، كأنّما # على الجوّ غرب من دم يتصبّب [6]
صدمنا بها الأعداء، و اللّيل ضارب # بأرواقه جون الملاطين أخطب [7]
[1] ذعرته: أخفته-يطفو و يرسب: يعلو و يهبط، يقوى و يضعف.
[2] الهيدب: السحاب المتدلي.
[3] الفجاج: شقوق الأرض، الأودية-الغفل: ما لا علامة فيه من الطرق -المعلم: ما يستدل به على الطريق، ذو علامات.
[4] النجاد: حمائل السيف-أثوي: أقيم.
[5] العجاجة: الابل الكثيرة و العظيمة-قرن الشمس: شعاعها، أوّل ما يبدو منها-أعضب: مكسور.
[6] الخوافي: الريش الصغير في جسم الطائر، سميت بذلك لأنها تختفي اذا ضمّ الطائر جناحيه-الغرب: الدلو العظيمة.
[7] ضارب بأرواقه: سادل ظلمته-الجون: الأسود-الملاطين: الجانبين -الأخطب: ما كان فيه غبرة تشوبها خضرة.