و قبل الخوض في تحقيق الحال لا بأس بتمهيد مقال، و هو أن الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح بإنشائه، كذلك يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له (1)، كما إذا وضع له، بأن يقصد الحكاية عنه، و الدلالة عليه بنفسه لا
أنه لم يضع اللفظ للفعل الخاص، بل استعمله فيه مجازا و بالقرينة؟
و من هنا يظهر: أن المعاملات خارجة عن محل النزاع، لأنّها لم تكن من مخترعات الشرع، بل أمور عرفية قديمة زاد الشارع فيها شرائط.
إذا عرفت محل النزاع فنقول: إن الكلام في الحقيقة الشرعية من جهات:
الأولى: بيان الأقوال فيها.
الثانية: بيان أقسام الوضع، و على تقدير ثبوتها بأيّ: قسم من الوضع ثبتت.
الثالثة: بيان الثمرة بين القولين أي: المثبت و النافي.
[الأقوال في الحقيقة الشرعية]
و ملخص البحث في الجهة الأولى: هو أن الأقوال في المقام خمسة:
1- الثبوت مطلقا. 2- عدم الثبوت مطلقا. 3- التفصيل بين العبادات و المعاملات- الثبوت في الأولى و العدم في الثانية. 4- التفصيل بين الألفاظ الكثيرة الدوران كالصوم و الصلاة و نحوهما و بين غيرها- الثبوت في الأولى و إن كانت من المعاملات، و النفي في الثانية و إن كانت من العبادات.
5- التفصيل بين عصر النبي «(صلى اللّه عليه و آله)» و بين عصر الصادقين «(عليهم السلام)» النفي في الأول، و الثبوت في الثاني، و لكن تسميته على هذا بالحقيقة المتشرعية أولى من تسميته بالحقيقة الشرعية.
هذا و لكن قد عرفت: أن محل الكلام هي العبادات، لأنها معان مستحدثة شرعا و من مخترعات الشارع. و أما المعاملات فكانت ثابتة قبل الشرع، لأنها أمور عرفية قديمة.
ثم إن المصنف يقول بثبوت الحقيقة الشرعية بالوضع التعييني الذي يحصل بالاستعمال و بالإنشاء العملي، كما أشار إليه بقوله: «إن الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح بانشائه كذلك يحصل باستعمال اللفظ».
(1) توضيح ما ذكره المصنف من إنشاء الوضع التعييني بالاستعمال يتوقف على مقدمة و هي: أن الوضع على قسمين: 1- التعييني. 2- التعيّني.
الأول: يحصل بتعيين الواضع و تصريحه بأن يقول: وضعت هذا اللفظ لهذا المعنى.
و الثاني: يحصل بكثرة الاستعمال. ثم الأول كما يحصل بالتصريح بإنشائه كذلك يحصل باستعمال اللفظ. أي: ينشأ بالاستعمال بأن يستعمل اللفظ في المعنى و يقصد بهذا الفعل أعني: الاستعمال تحقق الوضع و إنشاءه.