فإنّه يقال (1): مضافا إلى بعد ذلك، بل امتناعه عادة لا يكاد يصح لذلك (2)
و أمّا الملازمة فهي ثابتة، إذ على القول بتمايز العلوم بالأغراض يمكن تداخل علمين في بعض المسائل كما عرفت، فيمكن تداخلهما في تمام مسائلهما، لأنّ حكم الأمثال فيما يجوز و لا يجوز واحد.
[الجواب عن إشكال تداخل علمين في بعض المسائل]
(1) و هذا الجواب يتوقف توضيحه على مقدمة؛ و هي: أنّ النسبة بين غرضين من أغراض العلوم على أربعة أقسام: 1- التلازم. 2- التباين. 3- العموم من وجه. 4- العموم المطلق. و لا إشكال في صحّة تدوين علمين على الثاني و الثالث حتى على الرابع إذ قد يتعلق الداعي بتحصيل الغرض الأخص بخصوصه، فيصح لأجله تدوين المسائل المشتركة علما، و لكن على الأول لا يصح تدوين علمين لأجل غرضين متلازمين، بل يدوّن علم واحد.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم: أنّ قياس تداخل علمين في بعض المسائل بتداخل علمين في تمام المسائل قياس مع الفارق، و هو باطل، فإنّ ما ذكره المصنف من جواز تداخل علمين في بعض المسائل من القسم الثالث أي: ما إذا كانت النسبة بين الغرضين عموما من وجه. و ما ذكره الخصم من الإشكال من القسم الأوّل أي: التلازم. و الفرق بينهما أوضح من الشمس، و من هنا ظهر: عدم ثبوت الملازمة بين المقدم و التالي في القياس الاستثنائي السابق؛ لعدم المثليّة بين الأمرين حتى يقال بثبوت الملازمة بوحدة حكم الأمثال فيما يجوز و لا يجوز فلا ينتج.
و كيف كان؛ فلا يصح حينئذ تدوين علمين و تسميتهما باسمين، كي يلزم تداخل علمين في تمام مسائلهما، بل يدوّن علم واحد يبحث فيه تارة لكلا المهمين، و أخرى لأحدهما مثاله: إنّنا لو فرضنا اشتراك جميع مسائل النحو و الصرف في إيفاء غرضين متلازمين و هما معرفة أحوال الكلم صحّة و اعتلالا في الصرف، و معرفة أحوال الكلم إعرابا و بناء في النحو، فالجامع بين الغرضين معرفة أحوال اللغة العربية؛ فنبحث تارة لكلا الغرضين: أي: معرفة أحوال اللغة العربية، و أخرى لأحدهما أي: النحو فقط، أو الصرف فقط، هذا أوّلا.
و ثانيا: أنه بعيد جدا، بل ممتنع عادة، فحينئذ ينتفي موضوع الإشكال، إذ هو على تقدير ثبوت غرضين متلازمين و هو بعيد، بل مستحيل عادة، لأنّ الممكن العادي ما يقع في الخارج و لو مرّة، و فرض التلازم بين المهمين لم يقع أصلا.
(2) أي: لا يكاد يصح تدوين علمين لأجل مهمين متلازمين.