بيان حكم تشريعي في نفي الإكراه عن الإنسان لقبول الدين ؛ والقرينة الواضحة على ما أقول هو تعقيب هذه القضية بقوله تعالى : ( ... قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ... ) ؛ فإنَّ دلالة هذه الكلمة واضحة في ما قلناه ، ومعنى هذه الكلمة : أن لا حاجة إذاً إلى الإكراه ؛ لوضوح الفارق بين الرُّشد والغيّ .
وهذا التعقيب يناسب أن تكون هذه الفقرة من آية سورة البقرة تقريراً لقضيةٍ واقعيّة ، لا لحكم شرعي ؛ فإنّ وضوح التميّيز بين الرّشد والغيّ أدعى إلى الإكراه والإلزام الشرعي من حالة عدم الوضوح ، فإنّ للإنسان عُذراً في حالة اللبس وعدم الوضوح ، بخلاف حالة الوضوح ، فإنَّ القانون يُلزمه ويتشدَّد في إلزامه .
رأي العلاَّمة الطباطبائي في الميزان :
ويذهب العلاَّمة الطباطبائي ( رحمه الله ) في تفسيره القيّم ( الميزان في تفسير القرآن ) (1 ) إلى أنّ هذه الآية الكريمة بصدد تقرير حكم شرعي ، سواء كانت القضية إخبارية حاكية عن حالة تكوينيّة ، أم حكماً إنشائياً تشريعيّاً ، ويفصِّل ( رحمه الله ) الكلام في ذلك ، بما لا مجال لنقله بتفصيله ، ويرى أنَّ الأمور الاعتقادية لا يمكن فيها الإكراه ، وإنَّما يختص الإكراه بالأفعال ، والحركات المادّية فقط ، وإذا كان الدين ممّا لا يمكن الإكراه فيه ، فكيف يمكن الإلزام به ؟
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، ج3 ، ص242 ـ 343 .