و قوله (عليه السلام): «لا عمل إلّا بنيّة» [1] و آية الإخلاص و غيرها، أقصى ما توجب المقارنة لأوّل العمل، لا الواجب منه.
بل لعلّ مقتضاها إيجاب المقارنة للأجزاء المندوبة إذا اريد تحصيل الفرد الكامل المشتمل عليها؛ لأنّ إفرادها بالنيّة مع كونها بعض العمل- كوقوع النيّة عند غسل الوجه، و هو وسط العمل حقيقة لا أوّله- لا يخلو من تأمّل و نظر.
لكن ذلك كلّه موقوف على ثبوت جزئيّة غسل اليدين من الوضوء، و لم يثبت، بل لعلّ ظاهر الأدلّة يقضي بخلافه. و نفي الخلاف عن كونه من سنن الوضوء أعمّ من الجزئيّة.
و احتمال الاكتفاء بذلك و إن لم يثبت الجزئية لا وجه له، و إلّا لجاز التقديم عند غير ذلك من مستحبّات الوضوء كالسواك و التسمية، مع أنّه غير جائز كما نصّ عليه جماعة [2]، بل في الروض الإجماع عليه [3].
و لذلك كلّه خصّ ابن إدريس- في ظاهره- جواز التقديم هنا عند المضمضة و الاستنشاق [4]، كما عن الغنية [5]، بخلاف غسل الجنابة فجوّز التقديم عندهما [عند غسل اليدين]، و هو حسن.
لكن اعترضه بعض بأنّ الفرق بين الوضوء و الغسل تحكّم [6]، و آخر بعدم ثبوت جزئية المضمضة و الاستنشاق أيضاً [7].
و قد يدفع الأوّل بملاحظة أخبار الغسل [8]، فإنّها ظاهرة في كون غسل اليدين جزءاً مستحبّاً؛ لمكان ذكره في كيفيّة الغسل، بخلافه هنا.
و كذا [يدفع الاعتراض] الثاني بملاحظة أخبار المضمضة و الاستنشاق [9]، فإنّه و إن اشتمل جملة منها على كونهما ليسا من الوضوء، لكن ذلك محمول فيها على واجباته جمعاً بينها و بين ما دلّ على كونهما من الوضوء. فظهر أنّ قول ابن إدريس هو الأقوى في النظر.
و بذلك كلّه تعرف ضعف ما ينقل عن ابن طاوس من التوقّف في التقديم [10]، نظراً إلى أنّ مسمّى الوضوء الحقيقي غيرهما، و للقطع بالصحة إذا قارن عند غسل الوجه.
و هما كما ترى سيّما الثاني؛ إذ القطع لا يمنع الاكتفاء بالغير مع الظنّ من الأدلّة الشرعية.