اتفق العقلاء على أن العقل أعلى الكمالات الإمكانية، و أغلى الجواهر الروحانية، و عليه يدور نظام المعاش و المعاد، و على ذلك أجمعت الشرائع الإلهية. و من المعلوم أنه ليس كل عقل له حظ للإصابة إلى الواقع، كما أنه ليس كل واقع يمكن أن يدرك بالعقول، فكم من واقع مستور و كم من عقل أليف الضعف و القصور و إن بذل غاية الجهد و نهاية الوسع، و في العيان و الوجدان في ذلك غنى عن إقامة البرهان، و من ذلك حصلت الاختلافات الكثيرة في العلوم مطلقا.
ثم إن ما يتعلق بمباحث العقل كثير جدا، و الذي يبحث عنه في الفقه و الاصول أربعة:
[المبحث الأول: أنه مناط التكليف]
، فلا تكليف بدونه، و عليه يدور الثواب و العقاب، و تدل عليه الأدلة الأربعة، كما فصّل في محله. و هذا يذكر في الفقه، كما يذكر في فني الحكمة و الكلام، و في كتاب العقل و الجهل من كتب الأحاديث، كالكافي و غيره.
[المبحث الثاني: الملازمة بين حكم العقل المستقل و بين حكم الشرع]
، و عبّروا عنها ب (قاعدة الملازمة) و هي من القواعد الهامة التي تعرضوا لها في الكلام و الحكمة و الاصول.
و هي تعني أنه كل ما حكم به الشرع يحكم به العقل، و هذه القاعدة قديمة