فالهيئة تدلّ على معنىً يستلزم تفصيل ما دلّ عليه الحرف مُبهماً و مُجملًا، كما هو الشأن في دلالة الجمل التي لم تتضمّن حرفاً، مثل «زيدٌ قائمٌ»، فكما أنّ هيئة «قائم» دلّت على ارتباط القيام بموضوع ما، و هيئة الجملة دلّت على ارتباط ذلك العرض ب «زيد»، فكان مدلولها معنىً يستلزم تفصيل ذلك الربط المجمل، الذي دلّ عليه هيئة «زيد قائم» كذلك هيئة جملة «زيدٌ في الدار» فلفظة «في» دلّت على الأين منتسباً إلى موضوع ما، و هيئة الجملة دلّت على ربط ذلك العرض ب «زيد» نفسه، فمدلول الأوّل غير مدلول الثاني، فأين التكرار؟! [1] انتهى محصّله.
و يرد عليه:
أوّلًا: أنّ في كلامه تناقضاً؛ حيث صرّح أوّلًا في صدر كلامه: بأنّ الحروف دالّة على الكون الرابطي؛ أي الأعراض النسبيّة، و أنّها مُستقلّة بالمفهوميّة، و يُستفاد من الجواب عن الإشكال الثاني أنّ الفرق بين مدلول الهيئة و مدلول الحروف بالإبهام و التعيين، فمدلول الحروف هو عين مدلول الهيئة، و مدلول الهيئة هو الكون الرابط على عقيدته، فلا يستقلّ بالمفهوميّة.
و ثانياً: لو سُلّم تحقّق العرض النسبي و الكون الرابطي- مضافاً إلى تحقّق الموضوع و وجوده في الخارج و المحمول و الربط- نقول: قد عرفت أنّ الدالّ على الموضوع مثل: «زيد له القيام» هو لفظ «زيد» و على المحمول لفظ «القيام» و الدالّ على الربط بينهما لفظة «له» و لا يرتبط المحمول بالموضوع إلّا بها، و أمّا الكون الرابطي المعبّر عنه ب «العرض النسبي» فالدالّ عليه أيضاً هو الحرف، لكن لا بالمطابقة، بل بالالتزام.
و ثالثاً: هذا المعنى الذي ذكره للحروف مستقلّ بالمفهوميّة و التعقّل، فهو معنىً اسمي لا حرفي؛ فإنّ الأعراض النسبيّة طرف للربط أي المسند، و الطرف الآخر هو المسند إليه، و لا يمكن إسناد المعنى الحرفي إلى غيره، فما أفاده في المقام غير مُستقيم.