اختلفوا في اتّحاد الطلب و الإرادة مفهوماً و مصداقاً و عدمه على قولين: اختار ثانيهما الأشاعرة [1]، و أوّلهما المعتزلة و أصحابُنا الإماميّة [2] و هذه المسألة من المسائل الكلاميّة فهي بالإعراض عنها في المقام أحرى، لكن لا بأس بالإشارة الإجماليّة إلى بيان منشأ هذه المسألة، و ما هو السبب في ظهور الاختلاف فيها، و قبل الشروع في المقصود لا بدّ من تقديم مقدّمة.
و هي أنّه لا إشكال في أنّ الآياتِ و الأخبارَ الواردة لبيان الأحكام الشرعيّة المتضمّنة لها، منزّلة على الفهم العرفي؛ لأنّها مُلقاة إلى العرف و العقلاء من العوامّ و غيرهم، فما هو المستفاد منها عرفاً تُحمل عليه، و إن أدّى إلى ما يخالف حكم العقل؛ مثلًا: الأدلّة الدالّة على حرمة الدم [3] و أنّه نجس [4]، يراد منها ما يصدق عليه الدم عرفاً، فهو المحكوم بالحرمة و النجاسة دون ما لم يصدق عليه الدم عرفاً و إن صدق عليه عقلًا، كما لو ذهب بالغسل عينه و إن بقي لونه، فإنّه ليس بدم عرفاً، فليس حراماً و نجساً، لكنّه دم عقلًا؛ لبقاء أجزائه الصغار؛ لاستحالة بقاء اللّون- الذي هو عرض- بدون معروضه، و استحالة انتقال العرض عن معروضه، فبقاء لونه دليل عقلًا على بقاء أجزائه الصغار، لكنّه مع ذلك ليس بحرام و نجس؛ لما عرفت من أنّ الآيات و الأخبار منزّلة على الفهم العُرفي.