بالثبوت في الجملة الموجبة و بالنفي في السّالبة أمر آخر، و قد وقع الخلط بينهما و هو منشأ الإشكال.
و تحقيق رأي المشهور هنا هو: إنه عندنا حكايتان، إحداهما: الحكاية الذاتيّة، و الاخرى هي الحكاية الجعليّة، فالحكاية الذاتيّة تكون في حكاية الصّور الذهنيّة عمّا هو في الخارج، فالحاكي عن الوجود هو مفهوم الوجود، و الحاكي عن الماهيّات هو نفس الماهيّة الموجودة بالوجود الذهني، فحكاية مفهوم الوجود عن واقع الوجود حكاية العنوان عن المعنون، و هي حكاية ذاتيّة، و حكاية مفهوم الإنسان عن ماهيّة الإنسان الموجود بالوجود الخارجي حكاية ذاتيّة، سواء قلنا إن نسبة الصّور الذهنيّة إلى الخارج نسبة التمثال و الصورة عن ذي الصورة، أو قلنا بأن الأشياء بذواتها تدخل إلى الذهن لا بصورها و أشباحها، كما هو مسلك المتأخرين القائلين بأن للأشياء كونين:
كون عند الأذهان و كون في الأعيان.
و بالجملة، فحكاية الصّور الذهنيّة عمّا في الخارج حكاية ذاتيّة، ثم لمّا نقول: زيد في الدار، يكون في الذهن نفس ما في الخارج، أو صورة مطابقةٌ لما في الخارج، و ما في الذهن انعكاس لما في الخارج، و ألفاظ هذه الجملة موضوعة لنقل هذا الذي في ذهن المتكلّم إلى ذهن المخاطب، و هذا هو التفهيم و التفاهم بواسطة الألفاظ، الذي هو الحكمة من الوضع.
وعليه، فكما أنّ مدلول لفظ «زيد» هو ذات الشخص، و مدلول لفظ «الدار» هو ذاتها، و مدلول «في» هو النسبة بينهما، فإن مدلول الجملة عبارة عن الوجود المفهومي المتحقق في مورد هذه القضية، و ليس المدلول هو الوجود الخارجي، لما تقدّم من أنه لا يقبل الدخول إلى الذهن.