و دعوى: أنّ المشار إليه قد علم به من طريق الحسّ، و هو أقوى طرق العلم.
واضحة الوهن و السقوط، فإنّ الحسّ و المشاهدة لم ترفع الجهالة بمقداره، و لم تفد معرفته بوزنه و عياره.
و على ما ذكروه فيكون من العبث وضع الموازين و المكاييل و أمثالها، و ضاعت هذه الحكمة القويمة و الفلسفة العالية الّتي توخّاها عقلاء البشر من تلك المقرّرات في أوائل التمدّن الصحيح في الهيئة الاجتماعية، فتدبّره جيّدا، و لا يذهب بك الإسفاف 1 إلى هذه المداحض 2 فإنّ كلّ هذه الفروض من أفراد بيع الغرر الّذي هو من أوضح أنواع البيع الفاسد.
و اعلم أنّ الغرر المنهي عنه الموجب لفساد البيع هو النوعي لا الشخصي.
فلو فرضنا أنّ المشتري-أو هو و البائع-كان قوي الحدس بحيث لو نظر إلى الصبرة يعرف مقدارها أو يعرف مقدار ما يكفيه نفقة لمدّة من الأيام فلا يلحقه أي غرر من شرائها، لم ينفع ذلك؛ لأنّ المبطل هو الغرر المتحقّق في نوع هذا البيع، فتبطل كلّ أفراده حتّى الخالي من الغرر، و لا يصحّ إلاّ المعلوم مقداره من الطرق المتعارفة، و هي الكيل و الوزن و العدد و رديفاتها.
(مادّة: 219) كلّ ما جاز بيعه منفردا جاز اسثناؤه من المبيع.
مثلا: لو باع ثمرة شجرة و استثنى منها كذا رطلا على أنّه له، صحّ
[1] الإسفاف: تتبع مداقّ الأمور، أو شدّة النظر و حدّته، و كلّ شيء لزم شيئا و لصق به فهو مسفّ. (لسان العرب 6: 283) .