فمن المعلوم أنّهما لا يتعلّقان إلّا بأمر اختياري، فلا محيص عن القول بتعلّقهما بذكر اللّفظ عند إرادة تفهيم المعنى، و نتيجة ذلك انحصار العلقة الوضعية بين اللّفظ و المعنى بصورة قصد تفهيم المعنى، سواء كانت الإرادة تفهيمية محضة أو جدّية. و أمّا التعهّد و الالتزام بفهم المعنى من اللّفظ و لو بدون قصد التفهيم فلا معنى له كما هو واضح؛ لأنّه خارج عن الاختيار. فالدلالة الوضعية عبارة عن الدلالة التصديقية لا محالة، و أمّا صرف خطور المعنى في الذهن بمجرّد سماع اللّفظ فهو ناش من انس الذهن الحاصل من كثرة الاستعمال، و لا يكون دلالة وضعية أي مترتّبة على الوضع.
ثمّ أضاف إلى ذلك، أنّه لو لم نقل بأنّ الوضع هو التعهّد و الالتزام، بل قلنا بسائر المباني فالأمر أيضا كذلك؛ لأنّ الغرض الباعث على الوضع هو إبراز المقاصد و المرادات، فلا يمكن أن يزيد سعة الوضع على سعة ذلك الغرض؛ لأنّه فعل اختياري للواضع، فله تقييده و تحديده بمقدار يؤدّي إلى غرضه.
أقول: أمّا مبنى كون الوضع هو التعهّد فقد عرفت في مبحث الوضع أنّه لا أصل له، و قد عرفت أنّ أقوى الأقوال كونه عبارة عن جعل العلامية للّفظ على المعنى، و أنّ حال الألفاظ من هذه الجهة حال سائر الدوالّ و العلائم الجعلية، و فائدة العلامية كون سماعها موجبا لانتقال الذهن إلى المعنى، مثل سائر العلائم الاعتباريّة.
و أمّا حديث اختصاص فائدة الوضع في تفهيم المعنى إذا قصده المتكلّم، و أنّ ذلك يقتضي تحديد الوضع بصورة ترتّب تلك الفائدة، و لازمه تبعية الدلالة للإرادة.
ففيه، أنّ الوجدان شاهد على خلافه في سائر الاعتباريات، كاعتبار الزوجيّة بين الزوجين، مع أنّ الهدف من ذلك آثارها؛ كجواز الاستمتاع و التوارث و إلحاق الولد و وجوب الإنفاق و حقّ القسم، و من البديهي عدم كون هذه الآثار دائمي الترتّب، كما أنّ من البديهي إطلاق اعتبار الزوجيّة، و إن كانت الآثار مقيّدة