حجّ هشام بن عبد الملك و عديله الأبرش الكلبي، فوقف له حنين بظهر الكوفة و معه عوده و زامر له و عليه قلنسية طويلة، فلمّا مرّ به هشام عرض له، فقال: من هذا؟. فقيل:
حنين، فأمر به فحمل في محمل على جمل، و عديله زامره، و سيّر به أمامه و هو يتغنّى:
أمن سلمى بظهر الكو # فة الآيات و الطّلل
يلوح كما تلوح على # جفون الصيقل الخلل
قال: فلم يزل هشام يستعيده حتى نزل من النجف، فأمر له بمئتي دينار و للزامر بمئة.
و حنين هو القائل يصف النجف و منزله بها:
أنا حنين و منزلي النجف # و ما نديمي إلاّ الفتى القصف
أقرع بالكأس ثغر باطية # مترعة تارة و أغترف
من قهوة باكر التجّار بها # بيت يهود قرارها الخزف
و العيش غضّ و منزلي خصب # لم تعرني شقوة و لا عنف [2]
هارون الرشيد و بهلول
علي بن ربيعة الكندي، قال:
خرج الرشيد إلى الحج، فلمّا كان بظاهر الكوفة إذ بصر بهلولا المجنون على قصبة و خلفه الصبيان، و هو يعدو، فقال: من هذا؟. قالوا: بهلول المجنون. قال: كنت أشتهي أن أراه فأدعوه من غير ترويع، فقالوا له: أجب أمير المؤمنين. فعدا على
[1] حنين بن بلوع الحيري: مختلف في نسبه، فقيل إنّه من العباديين من تميم، و قيل: إنّه من بني الحرث بن كعب، و قيل: إنّه من قوم بقوا من جديس و طسم فنزلوا في بني الحرث بن كعب فعدّوا فيهم، و يكنى أبا كعب، و كان شاعرا مغنّيا فحلا من فحول المغنّين و له صنعة فاضلة متقدمة. و كان يسكن النجف و يكري الجمال إلى الشام و غيرها، و كان نصرانيا.